تطوير المناهج .. السبيل العلمي للقضاء على التطرف
حسين هزاع المجالي
24-05-2017 01:45 AM
تأتي الورقة النقاشية السابعة لجلالة الملك في ظل الحاجة الماسة إلى تطوير قطاع التعليم بما يساهم في إحداث نقلة نوعية في مخرجاته وبما يتلاءم مع متطلبات التقدم الهائل الذي طرأ على التكنولوجيا والعلوم بشكل عام.
في زمن مضى كان التلقين هو سيد الموقف التربوي، لأن أدوات المعلم وامكانات الطالب والعلوم والمناهج تنسجم إلى حد ما مع متطلبات ذلك العصر ومع امكاناته العلمية والتكنولوجية.
بيد أن الواقع اختلف الآن، وبما لا يسمح البقاء على ذات الادوات القديمة، إذ كان الأمي يُعرّف بمن لا يقرأ ولا يكتب، ثم تطور إلى أن أصبح الأمي هو ذلك الشخص الذي لا يجيد استخدام الكمبيوتر.
اليوم، ومع التطور الهائل على التكنولوجيا والمعلومات بات مصطلح الأمي يأخذ تعريفات أخرى عن تلك التي سادت في السابق، وأكاد أقول إن من لم يكن قادرا على التفكير والتحليل والتركيب والاستنباط والتفسير وتشخيص المشكلات أو بعضا من تلك يكاد يكون أميا.
بالتالي، وبالنظر إلى المناهج التي بين يدي أبنائنا الطلبة سواء على المستوى المدرسي أو الجامعي لنا أن نطرح سؤالا عن نسبة التحليل والتفكير الناقد وخلافه من مجموع الحشو والتلقين الذي تمتلئ به المناهج الدراسية.
إن أساليب التعلم تتطور وبشكل طبيعي مع ما تشهده كل العلوم من تطورات، وكما أن أساليب التعليم الحديثة تقول إن لا حاجة للدارس للكثير من العلوم التي نحشوها في دماغة، فالكثير منها تصبح في غياهب النسيان بعد الانتهاء من الامتحان، لماذا؟ لأن لا حاجة عملية له بها.
يقودنا هذا إلى طرح سؤال كبير عن مستوى الخريج الجامعي لدينا، بل وعن مخرجات التعليم الجامعي برمتها، كيف هو حالها؟.
إن غالبية الدول تعمل على تجويد مخرجات التعليم لديها، ومن تلك دول الخليج العربي الذي كان الخريج الأردني هدفا لها في زمن مضى، بيد أنه لم يصبح كذلك مع ما يجده من منافسين أقوياء نالوا حظا من العلوم والعلوم الحديثة وبمستوى إن لم يتفوق على مستوى الخريج الأردني فإنه يكون في موازاته.
وهذا ما يشكل تحديا كبيرا أمام القائمين على قطاع التعليم، حيث أن الواجب يفرض عليهم اليوم تطوير المناهج وفتح الباب أمام تخصصات جامعية يحتاجها سوق العمل والتوقف أو تخفيض عدد المقبولين لدراسة تخصصات لم تعد لها حاجة اليوم.
وهذا في الحقيقة، يحتاج إلى لجنة وطنية مؤطرة بمدد زمنية محددة يقودها أصحاب العلم والاختصاص بهدف البحث عن الكيفية العلمية لايجاد تخصصات يحتاجها سوق العمل بالإضافة إلى ايجاد المناهج وطرق التدريس المثلى لهذه التخصصات وبما يؤهل دارسها إلى أن يكون قادرا على الابداع والتفكير والتفسير وحل المشكلات وخلاف ذلك من قدرات عقلية.
في الورقة السابعة أكد جلالة الملك على نوعية الخريج الذي يطمح به، وأكد على ضرورة تطوير المناهج بما يساهم في تجويد نوعية الخريج، وفي الحقيقة يلامس جلالة الملك تماما حاجتنا إلى تطوير قطاع التعليم والمناهج.
وبالتالي، فإن تطوير العملية التعليمية لا يمكن أن يكون إلا عبر تحديث المناهج وطرق تدريسها وفقا لأحدث الأساليب، وهذا التطوير بطبيعة الحال ليس مرتبطا بالمواد الدراسية العلمية، بل والنظرية والإنسانية إذ أن الحاجة تبقى ماسة إلى أن يظل الدارس مرتبطا بدينه وتاريخه ولغته ومنجزه الحضاري ومجتمعه.
إن تطوير العملية التعليمية والمناهج، الهدف منها هو انعكاسها على المجتمع فإن لم يستفد المجتمع منها فإن الحاجة تكون منتفية منها، وبالتالي لا بد للمناهج أن تراعي المفاهيم الإنسانية التي تساهم في تعزيز بنية المجتمعات وتماسكها من مثل الإعلاء من قيم قبول الآخر والحوار والابتعاد عن الأحكام الإقصائية والتكفيرية والإلغائية.
اليوم، للمدرسة أهمية كبيرة، ولها غاية عظيمة تطورت عما كانت عليه في السابق، لماذا؟ لأن العلم والمعرفة أصبح متاحا أمام الجميع بما شهدته التكنولوجيا من تطور هائل فبإمكان طالب في الابتدائية اليوم أن يحصل على ما يريد من معلومات ومعارف ومفاهيم من جهاز الهاتف الذي يحمله.
لذلك، فإن مكمن الخطر يتمثل في أي المفاهيم التي يكسبها وأي المعارف التي يتعلمها الطالب، فمن الممكن أن يتعرف هذا التلميذ إلى مفاهيم تحض على العنف والكراهية والتكفير والإرهاب وخلاف ذلك، وهنا يأتي دور المدرسة وهو بطبيعة الحال ليس منفصلا عن دور الأسرة، في تعزيز المفاهيم الإيجابية التي أشرنا إليها ونبذ المفاهيم السلبية وذلك عبر المناهج أولا وطرق تدريسها ثانيا.
الإرهاب يشكل أخطر تحد أمام المجتمعات، وإن لم تشارك المدرسة بمناهجها ومعلميها في مكافحته فمن يشارك بها إذن.
إن القناعة الراسخة أن الجيوش وقوى الأمن المختلفة لا يمكنها أن تجتث الإرهاب وحدها وأن تشاركها في ذلك مؤسسات أخرى من مثل التربية والتعليم والجامعات، وهذه المؤسسات مطلوب منها لانجاح مهمة اجتثاث الإرهاب والأفكار الظلامية أن تطور من مناهجها بحيث تتمكن الناشئة من أن تتشرب الفكر المعتدل وتنبذ التطرف والتكفير والإرهاب.
بالتالي، فإن الحاجة ماسة اليوم لأن نترجم بشكل عملي ما جاء في ورقة جلالة الملك السابعة دون إبطاء أو تلكؤ، ودون اعتبار لما قد يمارس من ضغوط عكسية لحساب تيار سياسي أو فكري، لأن المدرسة والمناهج يجب ان تظل حيادية حيال هذا الأمر وغير خاضعة لتوجيهات وضغوط أصحاب المصالح.
الأمر يحتاج إلى لجنة، كما أشرنا سابقا، تدعى إليها المختصون في حوار فكري تربوي أكاديمي باتجاه الخروج بتوصيات عملية تساهم في زيادة جرعة التحليل والتفكير والاستنتاج بالمناهج الدراسية وعلى حساب المادة النظرية والحشو الذي لا طائل منه.
الرأي