لو إستمزجني أي وزير حول ما ينبغي ان تكون استراتيجية واهداف وزارته، بماذا يمكن أن أنصحه؟
شفيق الدويك
11-12-2008 05:09 PM
تتميز بيئة (محيط) العصر الذي نعيش فيه بالتغيّرات السريعة الناجمة عن التقدم التكنولوجي والاتصالي المتسارع، والتي تولّد مراحل لها ظروف جديدة تستدعي التكيّف معها. بعبارة اخرى تفرض على الدول ظروف جديدة و عوامل خارجية مغايرة عن تلك التي كانت اثناء التشكيل الوزاري الموجود . إن من اهم الاسباب التي تدعو الاردن الى تعديل وزاري جذري هو تلبية حاجة ملموسة نتيجة الحالة الاقتصادية التي ستتأثر بها الدولة نتيجة الازمة المالية العالمية . ومن الطبيعي أن تتطلب إدارة شؤون الدول كفاءات جديدة قد لا تكون متوافرة في بعض الكوادر القائمة التي عينت في ظل ظروف مغايرة لتلك المستجدة. يلاحظ ان منهج بحث دولة الرئيس نادرالذهبي عن طاقم جديد قد إبتعد عن النهج الترقيعي او التسكيني الذي يكون دوره محدود زمنيا و ليس لديه قدرة على إحداث التغيير الاستراتيجي الذي تتطلبه المرحلة أو تقتضيه مقاييس النجاح . إنها ليست مسـألة ألتغيير من اجل التغيير.دولته مقتنع تماما بانه ينبغي ان يراعي التغيير الوزاري البحث عن اشخاص إجتازوا معايير الاخلاص للوطن وقيادته، الكفاءة،الامانة و حسن السلوك والقدرة على العمل الميداني الصعب . بعبارة اخرى لا بد ان يأتي الوزراء الجدد (ذوي البصيرة التي تستشرف المستقبل)حاملين معهم إستراتيجياتهم الجديدة التي تطمح لتحقيق اهداف محددة واضحة، وقادرين على إزالة العقبات التي قد تعترض طريقها، عن طريق العمل الميداني الذي لا يعرف الكلل أو الملل، والذي ستتناوله اداة فحص الشفافية بمنتهى الكفاءة والفاعلية. والسؤال المطروح الان هو : لو إستمزجني أي وزير حول ما ينبغي ان تكون استراتيجية واهداف وزارته، بماذا يمكن أن أنصحه؟؟؟.
سأقول الاتي : بكل تبسيط و إختصار، سنفترض هنا ان كل وزارة عبارة عن فرع منظمة كبيرة organizationغير هادفة للربح، والمنظمة الكبيرة هي مجلس الوزراء ممثل بدولة رئيس الوزراء، تبيع منتجاتها (سلع مثل الشوارع وخدمات مثل إصدار جواز سفر او السهر على أمن المواطن وحمايته) لعملائها - هنا المواطنين -. وبما ان مسألة إشباع حاجات ورغبات العملاء (المواطنين) والحصول على رضاهم تأخذ الاولوية لدى إدارة الفرع ومن ثم الادارة العليا للمنظمة (مجلس الوزراء )، فإن ضمان تلك المنظومة تتطلب وضع خطة إستراتيجية فرعية تخص الوزارة المعنية، متفرّعة ومرتبطة بالخطة الاستراتيجية الرئيسية (خطة مجلس الوزراء)، ترنو إلى تحقيق الاهداف التي تضمن للفرع التميّز والنجاح والاستمرار. لقد بدأ الإهتمام بالتخطيط الاستراتيجي بشكل كبير في منتصف السبعينات من القرن الماضي بعد ازمة النفط، رغم أن التخطيط الاستراتيجي قد عمل به منذ أزمنة بعيدة خصوصا من قبل قيادات الجيوش، التي كانت تمارس تكتيكات في معاركها لتكسب المعارك، والتكتيك tactic هنا هو الاستراتيجية عند التطبيق. ما يهمنا هنا هو الإشارة الى ان أي منظمة لا تستخدم التخطيط الاستراتيجي في ادائها لإعمالها تظل عالقة في منتصف الطريقstuck in the middle . يتطلب التخطيط الاستراتيجي وجود مخطط إستراتيجي يتميّز بمقدرته على إستشراف المستقبل (التنبؤ به)، ووجود موارد كافية لإستخدامها اثناء تنفيذ برامج الخطة الاستراتيجية التي تسخّر لتحقيق اهداف الخطة التي تدور في فلك المهمةmission التي تكتب وقت التفكير ببناء خطة إستراتيجية. والمهمة تعبر عن ما يرنو الي تحقيقه الفرع (الوزارة) أي كتابة الغرض بالتحديد ، الهدف، الاهداف التي يمكن تحقيقها وينبغي ان تكون معقولة، واقعية ، ضمن الامكانيات، علما بأن عناصرها: الموظفين، العملاء (المواطنين) و المنتجات من سلع وخدمات. إن المخطط الاستراتيجي هو كل إنسان يمتلك الرؤيا(vision) ، و لا تتأتى تلك المقدرة إلا من خلال خبرات غير عادية، وهناك ندرة نسبية فيما يتعلق بوجود مخططين إستراتيجيين. بعد تحديد المهمة السابق ذكرها، يجرى التحليل الموقفي situational analysis اوSWOT analysis ، والذي سأتحدّث عنه بعد قليل لوحده لإهميته، ثم تشكّل الاهداف والتي هي مشتقة من العمل الرئيسي للفرع ( للوزارة). تشكّل بعد ذلك الاستراتيجية والتي تعني خطة اللعب التي تتضمن كيفية الوصول الى الاهداف، ثم تشكّل البرامج ، ويبدأ التنفيذ الذي يتبعه التغذية الراجعة والمراقبة، علما بأن التغذية الراجعة اصبحت عملية سهلة مع وجود الصحافة الإلكترونية التي تحمل إستحسان او عدم إستحسان الرأي العام عن أي فرع ( وزارة). اما فيما يتعلق بالتحليل الموقفي، فهو يبدأ في حصر مواطن القوة في الوزارةstrenghs ، مواطن الضعف فيهاweaknesses، الفرص الموجودة خارج الوزارةopportunities وأخيرا التحديات او التهديداتchallenges or threats . على سبيل المثال لا الحصر يمكن القول بأن من عناصر القوة في الوزارة التي قد تكون موجودة كفاءة مدراء الدوائر والاقسام، بساطة ووضوح إجراءات العمل، توفر التكنولوجيا المناسبة.... إلخ، ويمكن القول بأن من مواطن الضعف في الوزارة التي من الممكن ان تكون موجودة: عدم وجود موارد كافية،عدم وجود جولات ميدانية من قبل المسؤولين، عدم وجود دائرة علاقات عامة كفؤة، عدم وجود دائرة تدقيق كفؤة، عدم وجود نظام مراقبة جودة اداء الموظفين مثل تسجيل المكالمات لذلك الغرض او وجود المتسوّق الخفي، عدم وجود اماكن إنتظار مناسبة للمواطن، عدم حوافز مناسبة، عدم وجود مبادرات فردية وإقتراحات بنّاءة، عدم وجود إضاءة كافية، عدم وجود تكييف،عدم وجود برامج تدريبية مناسبة، عدم وجود معاييرلأداء الخدمة، طول مدة تقديم الخدمة، سوء التعامل مع المراجعين، سوء إستخدام المرافق، عدم وجود سجل دوام ومراقبة سليمة، المبالغة في البيروقراطية، عدم وجود المسؤول/الموظف البديل، سوء تنظيم إجازات الموظفين، وجود هدر في الوقت، عدم نظافة المرافق، ضعف البرامج التدريبية . أما الفرص والتحديات فهي العناصر الموجودة في البيئة الخارجية (خارج الوزارة)، تؤثر عليها و لا تخضع لسيطرتها. يتطلب الامر الاستفادة من الفرص والتحوط لمواجهة التحديات (تحجيمها أو علاجها)، وهي تتضمن: البرلمان بمجلسيه، الإعلام ، الهيكل الاقتصادي ومؤشراته، التكنولوجيا، النظم الاجتماعية والتقافية والمستفيدين من خدمات الوزارة. أخيرا تلزم الإشارة هنا الى أن الاستراتيجيات ( والتي تعني اين ترغب الوزارة ان تصل وكيف سيتم ذلك خلال فترة من 3 او 5 سنوات او اكثر)تستخدم لتحقيق اهداف طويلة المدى. إن اهداف إستراتيجيات الحكومة عادة تكون متعددة الجوانب، والاهداف تترجم الى سياسات تتحقق من خلال مجموعة من البرامج او الاعمال على اساس خطوة خطوة. بالطبع تبنى إسترتيجيات الحكومة تحت ضغوط سياسية واحداث غير متوقعة، فالبيئة متغيرة ، كما ذكر سابقا، تغيّرا غير عادي، وتتميز بعدم التأكد او التنبؤ بها بصورة أكيدة تماما. اخيرا ينبغي ان تكون الاستراتيجيات الحكومية مرنة وقابلة للتعديل خصوصا فيما يرتبط من بنودها بالموارد المالية لان التمويل عرضة للتقلّب دائما. وكل عام والجميع بألف خير.