تقرير العيد من قطاعات الجبهة الأردنية
11-12-2008 11:38 AM
بعد حصاد الشوارع الأخير في موسم العيد الذي تحول الى عيد أحمر بامتياز جراء السيل الدافق من دماء الأضاحي و " الضحايا " الذين حولت حوادثهم، أفراح عيدنا الى أتراح .. ليس لي إلا أن أصارحكم بحالة الشيزوفرينيا التي أصابت قلمي ، بين مهنئ ومعز ٍ .. فعيد مبارك لمن عاش فرحة العيد المفقودة ، وأحر التعازي لأسر الضحايا الذين سقطوا في حرب الشوارع نتيجة الانتحار على يد مركبات صُنعت لتخدم لا لتقتل .
لقد حاولت أن ألجم قلمي طيلة الأيام الماضية حتى لا يخرج الغضب سافرا ، وشاهرا سيفه ليقطف العيون التي قد تقرأ كلماته ، ولكن لا يزال يعتمل في القلب أنات وونـّات ونواح صامت قد لا تخرسها صرخة حرّى فجرتها أم ثكلت بفلذة كبدها ، بل بقطعة من روحها انتزعها الحديد بأضفار من ألم ،.. ولكن اسمحوا لي بأن أقذف هذه التهمة : نحن شعب يكره نفسه ، شعب مغامر يعشق سبر أغوار الموت عبر الرقص على إطارات المركبات ، ويستهتر بكل أدبيات وأخلاق المجتمع المحترم الذي تربينا فيه ، إلا من رحم الله من ذوي العقل الراجح واللسان الناصح .. حتى أصبحت تقارير الحوادث أشبه بالتقارير الحربية على جبهات القتال .
الى متى نبقى نحتار في اختيار الكلمات المنمقة للتعبير عن رأينا في موضوعات تقتلنا كل يوم ، وأهمها حوادث السير ، هذا السير الذي لم يعد سيرا ، بل هو تجاوز لحدود الإسراع نحو تحويل الشارع الى مدرج إقلاع للطائرات النفاثة ، والمركبات التي يريد العديد من الطائشين والسائقين الرّعن أن يخترقوا بها جدار الصوت .
لقد ثبت وبما لا يقبل التأتأة إن قوانين الجباية ، لا تحد من حوادث السير ، وإن هذا الجيش العرمرم من أبناءنا منتسبي إدارة السير لا يستطيع أن يوقف حادث سير .. وإنهم ينزفون عرقا وجهدا وبعدا عن أسرهم وأولادهم ، ليشاهدوا أرتال السيارات التي تغدو وتجيء في اليوم مئة الف مرة ، وثمن سيارة أحدهم تعادل عشر أضعاف معدل دخل رقيب سير واحد .. فما الحل .. قولوا معي : ما هو الحل ، يا أهل الربط والحل ؟
لو مات أربعة العقبة ، وأربعة المقابلين ، وأربعة الصفاوي ، وزهرتي مادبا ، وقبلهم ضحايا طريق جرش ، جراء جريمة ارتكبها مجهول ، أو ضحية " لأبي شاكوش " الذي يذكر شخصيته الوهمية كثيرون ، لأقمنا الدنيا بحثا عن الفاعل المجرم ، ولتركزت كل جهود النشامى بحثا وحصرا عن الأدلة وخيوط العملية ، لاكتشاف القاتل .. ولكن عندما يظهر السبب جليا أمامنا ، ماذا عسانا نفعل ، هل نشتم ؟ أم نشمت ؟ أم نصمت ؟ أم ماذا؟
بعيدا عن استنباط الأحكام ، وإحّكام المواد لتقنين تشريعات كلامية لا يحفظها أحد ممن أجازوها ، دعوني أفكر بصوت عال ، عل للكلمات طريق الى مؤتمر وطني عام وشامل يعُصف فيه أذهان من يبكون على حالنا في هذا البلد الذي ذاق حلاوة العيد بطعم الحرمان ..
وإن كانت بعض مؤسسات الدولة تفاخر بأن عدد المخالفات بلغ كذا ، وإن قيم المخالفات بلغت كذا مليون دينار ، فلنطلب أولا من الجهة التي تصب فيها سيول المخالفات المالية أن ترصدها لحين الخروج بهيئة تعمل على دراسات وتطبيقات عملية للحد من حوادث السير ، تبتعد عن أساليب الجباية ، وتدوير حسابات المخالفات التي تدور من جيب السائق لتصرف على ترقيع وتعبيد الشوارع ، ليخالف عليها سائق جديد .
ثم إن مديرية الأمن العام مشكورة مطالبة بإعادة الثقة ما بين رقيب السير والمواطن ، وأن تسحب من كافة مرتبات شرطة السير تلك المسدسات التي يحملها البعض منهم ، والإبقاء عليها بتصرف الرتب الكبيرة .. ومحاولة إفهام السائق بخطورة المخالفة التي ارتكبها قبل ان يتم تحريرها له .. بل صفعه على وجهه ليستيقظ ، ويعلم إن الشارع ملك للجميع والحوادث تترصد بالجميع كذئب أم حماط الذي هتك ستر الغنم والرعاة عنها غافلون ، يحسبون مقدار أرباحهم عند نهاية السنة المالية في سوق الحلال الرسمي !
وللعلم .. فإن هناك آلية في كثير من المركبات الحديثة تضبط سرعة السيارة على سرعة معينة لا يمكن تجاوزها حتى وإن ضغط السائق بكل قوة على دواسة البنزين ، وعليه فإن مؤسسة المواصفات والمقاييس مطالبة أيضا بتطبيق ميزة آلية ضبط سرعة السيارات حد 120 كلم في الساعة كشرط لقبول جمركتها أو سيرها ، كما كان يطبق في بعض حافلات النقل العام سابقا ... فما حاجتي لسرعة إضافية تعادل 120 كم أيضا في سيارتي والسرعة القصوى المسموح بها قانونيا عبر شوارع الأردن هي 100 كلم في الساعة .. أين أذهب بهذه السرعة الإضافية ؟ هل أطير بها عبر فضاء قريتنا ؟
وكما يعلم الجميع فإن السن القانوني للحصول على رخصة القيادة هو 18 عام ، وهو سن لا يعني بالضرورة أن يكون صاحبه يدرك تماما خطورة القيادة المتهورة ، ولا يعي المأساة التي قد يسببها حلمه بتقليد أفلام المطاردات والسباقات و" البتونات والإسات ss " التي يفعلها البعض ويصورها على إنها نشاطات رياضية ...
فلماذا لا يشرع بند يرفع سن الحصول على رخصة القيادة الى 20 عاما ؟
.. وهل لي هنا أن أنبه الى خطورة رياضات "الرالي" كدافع عند البعض لتحويل الشوارع الى ميادين سباق عمان والمدن الأخرى .. وهل لي أن أذكر بحلبة سباقات السيارات التي استطاع مواطن منتم يدعى ( الياس جنكات ) من خلال إنشاءها استقطاب كثير من الشباب الذين اعتادوا ان يجعلوا الشوارع مسرحا لبهلوانيتهم ، وأن يفرغ شحنات عقولهم في إطار مضمار حلبة قام بإنشائها بعد مدينة مادبا ، ليحول " التشعيط والتفحيط " الى رياضة لا تكلف شيئا من الأرواح والأثمان .
هل لوزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي أن تشارك في عمليات التوعية المرورية التي لم تؤت ثمارها حتى اليوم ، من خلال إدراج كتيب مصور أو مساق لتفهيم وتوعية النشء والطلبة الصغار والمراهقين بخطورة حوادث السير .. أو نشر صور جدارية لجميع الضحايا في كافة المدارس والجامعات مشفوعة بملخص عن إسم المرحوم وسبب الوفاة ومكان وقوع الحادث .
هل لمديرية الأمن العام أن تعطينا إحصائية دقيقة عن عدد الوفيات جراء حوادث السير وتحديد أكثر المناطق وقوعا ، والسبب الأكثر إيقاعا للحوادث ، والفئة العمرية للمتسببين وكذلك الضحايا ، ولنبتعد عن الضرب على دفوف السرعة كمبرر لحصد المخالفات ، فمعظم التعليقات الثرية على خبر تدهور حافلة النقل ثاني أيام العيد تقول إن المخالفات التي توقع على الحافلات لا تردع سائقيها بل تدفعهم الى السرعة أكثر لتعويض ما خسروه .ز فهل هذا ضرب من المنطق ؟
عموما هناك خطط وأفكار ونقاط كثيرة قد تخرج من عقولنا جميعا وقد نقرأها هنا وهناك بعد فترة وجيزة من خلال كتابات الزملاء أو تعليقات القراء .. ولكن يبقى القول الأهم وهو إن الأسرة هي النواة الأهم في التركيبة الاجتماعية والفكرية للنظام العام للفكر المجتمعي والسياسة العامة للوطن ، لذلك فلتنطلق التوعية والتحذيرات من الأسرة أولا ، حتى نضمن على الأقل عدم تسبب الأسر بموت أبناءها أو شعورها بالحسرة التي جاءت من خلال التساهل بامتلاكهم المركبات أو الحصول على مفتاح السيارات ، بداعي التفاخر أو الدلال ، وهذا ما يلمسه المشاهد أمام المدارس الأرستقراطية والجامعات التي تصطف في مرائبها سيارات لا تليق سوى برؤوساء مجالس الشركات متعددة الجنسية أو الصناعية النفطية !
إن الثقافة الشعبية والتربية الاجتماعية هي الوعاء الذي يحوي جميع مشاكلنا ، وفيه تطبخ الحلول لكثير من مصائبنا .. فهل نعمل لإنهاء كوارثنا .. أم نجلس نتباكى على ما حدث ، ونترك الغد ليأتي بحوادثه الجديدة ؟!
Royal430@hotmail.com