فاز حسن روحاني برئاسة ايران، وعلى الرغم من تصنيفه معتدلا، الا انه يخضع للظروف ذاتها، التي خضع لها في رئاسته السابقة لإيران، من حيث الوضع الداخلي في ايران، وتأثير القوى الأخرى الإيرانية على قراراته وحكمه، فلا جديد فعليا، سوى الظرف الإقليمي.
ماهو مهم اليوم، الحديث عن ايران بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى السعودية، والرسائل التي تم ابراقها الى ايران عبر القمم الثلاث، السعودية - الأميركية، والخليجية - الأميركية، والعربية الإسلامية- الأميركية، فلا يمكن ان تتعامل ايران مع هذه الرسائل، باعتبارها مجرد «رسائل عتب» تنهمر من العرب والمسلمين والعالم.
كيف سترد ايران على هذه الرسائل، خصوصا، ان الواضح ان مابعد القمم الثلاث مختلف عما قبلها، والأرجح ان هناك ترتيبات عربية إسلامية أميركية، بشأن ملفي ايران والإرهاب، اذ يستحيل ان تنتهي هذه القمم بمجرد بيانات ختامية، وتعبيرات سياسية، سبق ان قيلت مئات المرات على ألسن مسؤولين عرب وأجانب.
في التقييمات ان ايران ستبقى متصلبة إزاء مختلف الملفات التي تخصها، الا اذا شعرت بوجود آليات عملية مابعد القمم الثلاث، واشهار خطة عمل، من المستويات العربية والإسلامية والأميركية، وهذا فقط قد يدفع ايران، لمراجعة حساباتها، والسعي للوصول الى صفقة.
ذهنية « الصفقة الإيرانية» رأيناها في الاتفاق النووي الإيراني، وهذا يثبت ان هناك قدرا من البراغماتية لدى طهران في ظروف محددة، لكنها براغماتية تستند الى عناد إيراني من جهة، وانتظار لثمن كبير أيضا، فهي ليست مجرد نجاة من محاصرة دولية.
لن ترد ايران حاليا، الا عبر تعبيرات سياسية، وسوف تنتظر المؤشرات المقبلة، و لن تقدم تنازلات سريعة، للمنطقة، باعتبار ان هذه التنازلات السريعة سوف تظهرها في صورة المذعورة او المرتبكة، وعلى الاغلب فأن طهران ستنتظر إضافة الى «خطة العمل» التي قد يتم البدء بها ضد ايران فعليا، وضع الإدارة الأميركية ذاتها، وهو وضع يشي بتقلبات محتملة، قد تمنع الإدارة الأميركية ذاتها، من التورط في ملفات خارجية، الا من باب إعادة تصدير الازمة الداخلية في واشنطن الى اتجاهات أخرى، اذا تمكنت من ذلك.
لاتستطيع ايران حاليا، التخلي عن معسكراتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حتى تحت وطأة التهديدات الأميركية، واي تخلي جزئي، لن يكون الا في سياقات صفقة، لاتضر هذه المعسكرات، ولاتقدمها ثمنا للمنطقة، او للإدارة الأميركية ذاتها.
إسرائيل بدورها، لاتريد لادارة ترامب ان تتراجع عن حدة خطابها ضد ايران، وكل ما تخشاه إسرائيل ان تقدم ايران بوادر على التفاهم مع المنطقة او الولايات المتحدة، فهي سوف تتعامل مع هذه البوادر، على طريقة تعاملها، مع الاتفاق النووي الإيراني، الذي اعتبرته طوق نجاة لإيران، خلصها جزئيا، من احتمالات كثيرة.
نحن اذا امام اكثر من سيناريو، أولها الصبر الإيراني، لعل معادلة واشنطن تخضع لاختلافات داخلية مفاجئة، وثانيها إعادة تصدير ازمتها الى دولة مستقرة لم يكن متوقعا اضطرابها او خرابها، بحيث تربك الحسابات الأميركية، وثالثها الخضوع لصفقة قد تبدو فيها ايران متنازلة، لكن وفقا لحساباتها، ستكون حصلت على الأهم، وتخلت عن الأقل أهمية.
علينا ان نقرأ المنطقة جيدا الفترة المقبلة، اذ من الاستحالة ان تبقى ايران، كما كانت، قبيل القمم الثلاث، التي توطئ لمرحلة مختلفة تماما في المنطقة.
الدستور