من ولد في تلك الظهيرة السوداء عام 1948 اصبح عمره تسعة وستين عاما، لأنه توأمها، وحين استعار المهزومون اسم النكبة من قاموس كوارث الطبيعة ارادوا اعفاء انفسهم من عبء التاريخ، ومنذ ذلك اليوم تبدلت نظم وتغيرت شعارات لكن ما تبقى هو الهزيمة التي تضاعفت عام 1967، واستعير لها ايضا اسم آخرمن قاموس الصحة : النكسة، رغم ان الواقع لم يكن معافى بحيث تعرض لانتكاسة .
وخلال العقود الاربعة الاخيرة بدأ العد التنازلي في التعامل مع ذكرى تلك الهزيمة، وكأن العرب تأقلموا معها ونقلوها من مساحة النكبة الى فضاء القضاء والقدر !
انه تاريخ ذو وجهين فثمة من يحتفل مقابل من يفتح مأتما او بيت عزاء في اليوم ذاته، لأن هناك خطأ تاريخيا كما سماه ارنولد توينبي ادى الى خطيئة جغرافية وقامت دول على اطلال اخرى . الهزيمة ذات التسعة والستين عاما لم تبلغ الشيخوخة، ولم تصبح في خطر، لأن هناك من تعهدوا ادخالها الى غرفة الانعاش لكأنما اصابتها وعكة ليقدموا لها الجلوكوز والدم وسائر السوائل المتاحة !
واذا كان الرهان الصهيوني على ان الكبار يموتون والصغار لا يتذكرون، فإن التاريخ ليس بهذا التبسيط، وهناك في هذا العالم اجيال ورثت هزائم ولم تشهدها، لكنها حملتها كما قال امرؤ القيس عن ابيه الذي ضيعه صغيرا وحمل دمه كبيرا !
مرّ ذلك اليوم وكأنه مجرد يوم آخر في تقاويم قومية اعيد ترتيبها كما اعيد ترتيب قائمة الأولويات، فاللاجىء الفلسطيني كان على موعد مع ملايين اللاجئين العرب الذين ينافسونه على هذا اللقب بدون يهود، وبسبب حروب ذوي القربى او ما يسمى الأخوة الاعداء !
قبل ستة عقود كانت مفردات مثل اللجوء والتحرير والاحتلال حكرا على القضية الفلسطينية، لكن بعد ان احتل العرب بعضهم وتحرروا من بعضهم ولجأوا في عقر اوطانهم اصبح الأمر ملتبسا، ومن كانت اكتافهم تنوء بفلسطين واحدة اصبحوا مثقلين بخمس فلسطينات على الأقل والحبل على الجرار !! الدستور