تنفّس نسيم الصّباح لينفُض عن العيون سلطان الكرى. وبانبلاجِ ضوءِ النهار؛ اختفت من العقول كلّ قصص السياسة وتكهنات غلاء الأسعار المرعبة، وحكايات مجلس النُّواب السّاخرة.
كانت الشّمس متلألئةً في كبد السَّمَاء، وعٓمّان؛ أرخت جدائلها ليبدأ دبيب الحياة.
المركباتُ تسير على الأرض صاخبةً، وَذَلِك الشّارعُِ النّابض يفيض بالمارّة.
والبُخار المتموّج الذي انبجس من عربة الذرة احتضن المكان.
أغانٍ تنبعثُ من هنا وهناك. كلُّ شيءٍ كان منغّٓماً، حتى أصواتُ الباعة المتجولين المنبثقة من صدورهم بمزجٍ تصويريٍّ ساخرٍ وساحر، ونسجٍ للكلام بشكل موزون؛ كانت أيضاً منٓغّمةً على مقامٍ موسيقيٍّ بديع.
ما من شيءٍ كان يدعو للتّنبّؤ بما قد يُعكِّر صفو تلك اللوحة النّاطقة بالحياة سوى حشدٍ من الأطفال اجتاح المكان.
أحجامهم كانت متفاوتةً وأعينهم لم تزل يغشاها النعاس. التصق كلٌّ منهم بزاويةٍ من زوايا حاوية القمامة وطفقوا ينبشونها.
أولاءِ البؤساء كانوا يلتمسون ما قد يسدُّ رمقهم، كانوا منهمكين حتى أنهم لم يستشعروا نظرات السُّوء التي امتلأت بها أعين المارة. بعدما انتهوا ممّا يُسمّى إفطاراً؛ انتشروا في المكان يستجدون المارّة وسائقي المركبات.
لم يسيئوا لأحد، بل كانوا ينتظرون بهدوءٍ غير آبهين بإهمال البعض أو بالمعاملة الخشنة من البعض الآخر.
كان من بين حشد الأطفال ذلك، طفلةٌ صغيرة لم تتجاوز سنيّ عمرها السبعة. كانت تطوف بينهم على غير هدىً. بدا جليّاً أن خيوط الشّمس قد لوحت رأسها الصغير بلهيبها. ناداها أحد المارّة ؛ دسّٓ بيدها ورقةً نقدية. رمقته بنظرةٍ ملؤها الأسى. تأملت الورقة وراحت تحدثها: بقدر ما يحبك أبي؛ أكرهك!
جرّٓت نفسها بخطواتٍ متثاقلة ووضعت رأسها الصغير على زاوية الرصيف. شدّت أسمالها الرّثّة على جسدها الغضّ. توسّدت تلك الورقة وأغمضت عينيها، ونامت!