الصحافة الورقية على مفترق طرق
د. تيسير المشارقة
21-05-2017 07:50 PM
لمّا اقتحمت عالمنا وسائل الإعلام الجديدة الإلكترونية، من مواقع إلكترونية أخبارية وغيرها بالإضافة إلى المدوّنات ومواقع التواصل والتفاعل الإجتماعي، كان على الوسائل الصحفية والإعلامية التقليدية أن تنتبه إلى القادم الجديد (أو البديل) وتتعامل معه وأن تصوّب من أوضاعها بما يتناسب مع التطوّرات التكنولوجية والإعلامية والمعلوماتية الحديثة. وسائل الإعلام والاتصال تتطوّر وترتكز ( كأي منتج حضاري) على مبدأ الأجيال، يموت جيل وينهض جيل جديد. وهذا حدث مع الجهاز الطنان(بيجر) وصولاً الأجهزة الخلوية المتلفزة الحديثة والمتطوّرة. القلق على الذات وارد في كل المراحل والحقب التاريخية، فلمّا ظهرت الإذاعات مطلع القرن العشرين احتجت الصحف اليومية والدورية لدى السلطات الأميركية تشكو التنافس و إشكالية تداول المعلومات وأسبقية الوصول إليها وقضية الحقوق في البث والنشر. نفس الأمر حدث بظهور التلفزيون على المستوى الجماهيري في العام 1948 مما أشعل فتيل الخوف لدى محطات الإذاعة التي تعتمد الصوت فقط.
لاحظ المتابعون نفس الاحتجاج واستشعروا نفس المخاوف. وبظهور (المواقع الإلكترونية الإخبارية) التي تستخدم شبكة الإنترنت والسرعة في نشر الخبر والسبق بالاستفادة من النقل السريع والروابط التشعيبية التي تربطنا بذيول الحوادث والوقائع، وسهولة الوصول اللحظي للمعلومة من خلال الإستعانة بمحركات البحث الكبرى مثل (ياهو) و(غوغل)… نكتشف حالة الإرتباك والأزمة لدى العديد من المؤسسات الصحفية الورقية.
السؤال الذي يظل يتبادر إلى الذهن هو : ما مصير الصحافة الورقية في ظل ثورة المعلومات والانتشار الواسع للمواقع الإلكترونية الإخبارية؟ الواقع يقول إن التحدّي كبير. وطالما تدفّق “الإعلانات” مستمر إلى الصحف اليومية والأسبوعية(والإعلان هو عتلة الصحافة الورقية) والمطابع التابعة لها تعمل بشكل مستمر، فإن هذه الصحف ستستمر بالرغم من وجود الضيف الجديد(المواقع الإلكترونية الإخبارية). ولا فرق لدى هذه الصحف أن يقرأ الناس هذه الصحف بشكلها الورقي أو تتنقل إلى حاويات الورق. المهم أنها تتحوّل تدريجياً لكي يكون موقعها الإلكتروني هو الأساس والطباعة إليه مستمرة أما النسخة الورقية فهي لأغراض إعلانية أو أرشيفية وتاريخية ..فقط.
تعتمد الصحف الرسمية وشبه الرسمية على الإشتراكات الرسمية القديمة من قبل السلطة السياسية التي ربما تتوقف. ويبدو أن الصحف غير معنية كثيراً بالبيع ، ويمكنها أن توزّع الصحف بالمجّان مكتفية من عوائد الإعلان. عملية التحوّل والانتقال البطيئة للصحف الورقية من “ورقية إلى إلكترونية” لا يمكن أن يتم بسرعة(أي إلغاء الورقية تماماً) وربما لن يتم في العقود الثلاثة القريبة القادمة من القرن الحادي والعشرين.
وللعلم، أن الانتقال الإلكتروني قد جرى وانتهى، فكل صحيفة لها موقعها الإلكتروني الإخباري المتطوّر والمنافس لكافة المواقع الإلكترونية الأخرى. بينما النسخة الورقية فهي لاحتياجات الإشتراك الحكومي الكبير (الذي بدا يتقلّص) والإشتراكات الخاصة ولحاجات الإعلان الذي ما زال مقتنعاً بالصيغة الورقية للترويج والتسويق ولم يصبح رائجاً بعد عبر المواقع الإلكترونية. جدل كبير سيبقى حول مستقبل الصحف الورقية ، ونحن كإعلاميين نؤمن بأن الإلكترونيات الإخبارية ستسود ولكن بقايا “الصحف الورقية” ستبقى لاعتبارات أخرى ينبغى فحصها والتأكد منها. وطالما العالم الإعلامي يسير نحو التخصص، فهناك اعتقاد بأن تحوّلات جوهرية ستظهر على بنية الصحف الورقية باتجاه التخصص الإخباري أو الاقتصادي أو الرياضي أو الاجتماعي، وغيره.