أثناء إشتراكي في لجنة امتحان خريجي كلية الطب في الجامعة الاردنية أيقنت كم هو البون شاسعاً بين العربي إنساناً و دولةً .
لقد مضى أكثر من عشرين عاماً وأنا أمتحن زملاء المستقبل في جامعتي التي منها تخرجت قبل أكتر من ثلاثة وثلاثين عاماً .
لكن هذا العام كان مميزاً فأنا اليوم نقيبهم والمسؤول عن تحقيق مصالحهم المهنية . وهذا الشعور أعطاني فرصة لأُبعد النظر ليتخطى ذلك ساعة التخرج الى مستقبلٍ يكون فيه هذا الخريج طبيبا إختصاصياً وممارساً للطب في كافة المواقع يساهم في بناء مجتمعٍ سليم .
لقد ابدعت الجامعة الاردنية هذه المؤسسة الرائدةِ في الحفاظ على مستوى حق لكل اردني الإفتخار به في زمن الندرة الذي نعيش !
لقد اثبت الأردني والأردنية بل والعربي الذين تشرفت بامتحانهم أنهم على قدر حمل المسؤولية حينما تعطى لهم الفرصة . كانوا يتوزعون على جغرافيا الاردن من شمالها الى جنوبها ومن غربها الى شرقها ومن بدوها وحضرها , لقد أعطوا صورة فيها التحدي والقدرة على إستيعاب العلوم , كيف لا وهم يتعاملون مع علوم الطب الأكثر صعوبةً ودقةً بين العلوم . لقد كان واضحاً فيهم التميز والقدرة على منافسة أقرانهم من أبناء الدول المتقدمةِ . وقد تعجبت كيف تعجز الدولة التي ينتمي اليها هؤلاء الأبناء من ان تنافس بنفس المستوى باقي دول العالم المتمدن .
نعم ما ينطبق على خريجي كلية الطب ينطبق على باقي الكليات بل وباقي الجامعات الأردنية الرسمية . فالبرغم من كل الانتقادات ساهمت هذه المؤسسات ولا زالت تسطر النجاح تلو النجاح بتخريج المتميزين . ومن قبل ذلك نجح نظام التوجيهي الاردني في فرز المستويات بكل كفاءه فهيأ لجامعاتنا الرسمية الإستثمار العلمي المناسب في الفئات المناسبة والأقدر على الإستيعاب .
أقول ذلك والأسف يعصر بالقلب وأنا أرى الدولة تفشل في الإستفادة من هذا الكنز الثمين ! فيدخل هؤلاء الخريجون في مسلسلات الإحباط وفقدان الثقة ابتداءً من المحاباة والواسطة في التعيين في بعض المؤسات المميزة الى سوء التوزيع مما ينتج عنه تحطيم القدرات وعدم الإستفادة من جهد عظيم قامت به جامعاتنا ومن قبل مدارسنا !
لقد كان الناتج مجتمعا وانظمة اجتماعية وسياسية دون مستوى ابنائها كأفراد يتمتعون بقدرات فردية مميزةً .
نعم انه من المهم أن يستمرالنجاح ليفرز مجتعا ناجحاً تلمس آثاره في البيت اسرة سعيدة , وفي الشارع تعامل اخلاقي يلتزم بالنظام , وفي المؤسسات عدل وانتاج .