لم نكن نعرف ونحن في مرحلة الطفولة أن ما نتعرض له بين الحيطان الأربعة سنتعرّض له من الماء إلى الماء عندما نكبر وتتمدّد أجسادنا لتصبح دولاً ذات سيادة...
كنا في الصف 22 طالباً وادعاً ، الخلاف فيما بيننا على العلامة، أو على سعة وضيق المساحة التي نجلس عليها في أحسن الأحوال،بقينا على هذا الحال حتى انتقل إلى الصف طالب «عضلنجي» معجب بقوته البدنية وغطرسته ، في البداية لم نكترث لتصرفاته الهوجاء ولا إلى سيطرته وتخويفه لزميلنا النحيل الذي كان يجبره على حل الواجبات ونسخ الدروس ، ثم بعد أيام صار يهدد كل الطلاب القدامى بنفس الأسلوب والبلطجة ومن لم يستجب كان يتعرّض للكمة في وجهه أو عضّة في ذراعه، ولأننا لم نعتد الشجار ولا الخوض في معارك الا على نطاق ضيّق ومع بعضنا البعض فقد أرهبنا جميعاً وصرنا نتودّد له آملين بعمل صداقات مشتركة لتجنّب اللكمات القاسية والوعيد في نهاية الدوام المدرسي..يوماً بعد يوم صار يضربنا دون أي سبب مقنع ويصادر مصروفنا بمنتهى الوقاحة..وصارت واحدة من الحصص اليومية «ضربة ثم مصادرة مصروف» بالإضافة إلى الدروس المنهجية الأخرى من حساب وعلوم وعربي ودين وانجليزي..
في السنة التالية ترفّع معنا نفس الطالب البلطجي وترفع معنا نفس الرعب المعتاد، لكن هذه المرّة حدث تغيير مفاجئ على السطوة ، حيث انتقل إلى الصف «عضلنجي» آخر وأيضاَ الأخ معجب بقوته البدنية وغطرسته..وفرحنا أيما فرح لوجود «بلطجي» جديد يوقف البلطجي الأول عند حدّه..جميع الطلاب لم يلفتوا انتباهه في الحصة الأولى سوى ذلك الأشقر المتغطرس..جلس على الطاولة الأخيرة وضرب بيده على لوح الخشب كنوع من لفت الانتباه وبدأ يراقب ما يجري في الصف..فرحتنا نحن الطلاب المساكين كانت غامرة أن هناك من سيقوم بردع ذلك المغرور القديم..راقب العضلنجي الجديد تصرّف منافسه في الصف وكيف يضربنا الواحد تلو الآخر ثم يصادر مصروفنا ولم يعجبه الفعل الجشع..فوقف بوجهه وصرخ بصوت غليظ ومرتفع :لماذا تضربهم ثم تصادر مصروفهم ؟ بماذا تعتقد انك أفضل منهم..أعد لهم قروشهم وإلا لقّنتك درساً لن تنساه (بصوت أفلام الكرتون)..خنس البلطجي الأول وتراجع عن تصرفه وأعاد لنا أموالنا صاغراً فرحنا وقبّلنا البلطجي الجديد واحتفلنا به ولعدله ولقوته..
في اليوم التالي أمرنا البلطجي العادل الجديد: بدفع مصاريفنا له عنوة بدل حمايتنا من الأول..وكلما دفع احدنا ما لديه أخذها باليمين وصفعنا بالشمال..وبهذا نكون قد استبدلنا مستبدّ بمستبدّ مع فارق توقيت الضربة: الأول كان يضرب ويصادر المصروف والثاني.يصادر المصروف ثم يضرب..!!
ثم ذهب حالنا نهجاً في السياسة العالمية..
الرأي