تبرز في تاريخنا المذهبي والاجتماعي قناعات يمكن ان نضيفها الى قصص التزوير والتحريف، ومن غير المستبعد ان يبدو التركيز عليها نمطاً من اعادة كتاب التاريخ بكامله.
في كتاب وجدته في احدى العواصم المغاربية اسمه «الإمامة والسياسة» تناول تاريخ مرحلة ما بعد الخلافة الراشدة ولمدة ثلاثمئة عام، تنتهي بخلافة هارون الرشيد العباسية، وتدهش وأنت تقرأ سيرة الخلفاء حجم التقاليد الديمقراطية التي بدأت بأبي بكر يوم وفاة الرسول العظيم، وانتهت بمصرع الإمام علي غيلة، ودخول معاوية بن ابي سفيان هذه المعركة بنمط غير معروف من مواصفات خلافة الرسول يعتمد الديمقراطية المطلقة في التقليد المعروف بالمبايعة كشكل من أشكال الانتخاب، فيما عدا تسمية ابي بكر لعمر بن الخطاب مع الاحتفاظ بتقليد المبايعة، وكان قصد هذا النظام من الحكم عدم الربط بين صلة أمير المؤمنين بالرسول الكريم، وخاصة في خلافة الإمام علي، لانه كانت لهذه الشخصية ارتباطات أسرية تجعله آخر خليفة راشدي، لأنها ستتحول الى نمط من التوريث.. وهي ما وصلت اليه مذهبياً فيما يسمى بشيعة علي: الحسن والحسين وعقيل وهم الوارثون للمذهب حتى الآن.
والطريف في كتاب «الإمامة والسياسة» ان مصرع الخليفة على يد مجوسي جاء من فارس تعصباً منه لهادم عرش الطاووس.
يقول كلام «ابن قتيبة» ان الفرصة صارت مهيأة لعلي بن ابي طالب لأخذ البيعة له، رغم ان الخليفة الرابع لم يحب المدينة المنورة ولا نظامها الديمقراطي، ولم يلبث ان غادرها ليقمع تمرداً قام به أناس بايعوا ثم انقلبوا، وجعل من النجف ثم الكوفة عاصمة له.
ونعود الى كتاب «الإمامة والسياسة» لابن حزم، فيقول إن ابنه عقيل طالب والده بتسديد ديون كثيرة تكلفها لتأمين مبايعته في المدينة، لكن علي المتشدد قال انه مستعد لاعطائه من ماله الخاص، ولا يصح له مدّ يده على بيت مال المسلمين، فأبلغه انه في هذه الحالة سيذهب الى معاوية بن ابي سفيان ويطلب منه التسديد.
وقتها كانت مناورة معاوية الذكي عدم المطالبة بالخلافة لأن قوته لا تقوم على قوة قتالية هائلة كالإمام علي، ولهذا قال ابنه الثالث عقيل انه سيطلب من معاوية الذي تقوم دعوته على استنزاف الإمام علي، وكسب عنصر الوقت ليضم الشام ومصر ويبقى يناور كمطالبته بتسليم قاتلي عثمان فقط.. حتى كان اغتيال الإمام علي، فأعلن انه سيكون الخليفة، أليس هو من كُتّاب الوحي؟ ألم يطلب الرسول الكريم لدى فتح مكة بأن بيت أبي سفيان منطقة آمنة، ألم يقبله الرسول مسلماً وقبل حتى أمه التي لاكت كبد حمزة؟
وصار يطالب عقيل على سمع الناس؛ وماذا تريد بابن ابي طالب؟ واعطاه مائة الف لتسديد ديونه ومثلها للسكن والنفقات وآلاف كثيرة.. جعلت من رحلة عقيل نموذجاً لكل من وقف في وجهه.
وضاعت هذه القصة في أكوام من الترويج والدم، والمؤامرات.. ثم دخلت باب الأسطورة التي ما تزال تعيش في العقول والمذاهب والطموح السياسي المذهبي.
صار معاوية أميراً للمؤمنين، وطالب في حياته بمبايعة ابنه يزيد، فهاجم المدينة لامتناعها عن هذه الغربة التاريخية، واستباحها ثلاثة أيام لم يوفر فيها قتل أصحاب رسول الله المُبشرين بالجنة او محارمهم وعائلاتهم.
الرأي