الجيل الثالث من الحروب الإسرائيلية ضد العرب
د.رحيل الغرايبة
19-05-2017 02:18 AM
لقد مر الكيان الصهيوني المصطنع في قلب الوطن العربي - فلسطين - بعدة مراحل من الحروب التي شكلت السمة الرئيسية والبارزة لهذا الكيان منذ اللحظات الأولى لولادته، فهو كيان عسكري بالدرجة الأولى؛ إذ إنه ولد من رحم الحرب، ويعتمد على فلسفة الحرب بشكل استراتيجي دائم ومستمر، تلك الاستراتيجية التي تهدف إلى ضمان كسب حروبها عن طريق إضعاف أعدائها وعدم الغفلة عنهم حتى لا يتسلل أحدهم إلى مكامن القوة، ويمكن القول أن حروب «اسرائيل» ضد العرب مرّت بثلاثة أجيال، وربما تكون على وشك الذهاب إلى الجيل الرابع.
الجيل الأول يتمثل بحرب العصابات، حيث تم تشكيل مجموعة من العصابات التي خاضت بدايات تأسيس الكيان وزرع المستوطنين اليهود في الأرض الفلسطينية، وممارسة الإرهاب والرعب ضد الفلسطينيين العزّل من أجل تشريدهم واقتلاعهم من أرضهم، ولقد استطاعت هذه العصابات أن تنجح في تحقيق بعض مخططاتها وأصبحت هي النواة الأولى للكيان المصطنع، ومن أشهر هذه العصابات: عصابات «الهاجانا» التي ولدت عام 1909 في ظل الاستعمار البريطاني، وقد تسلحت وتدربت من خلال الانخراط في قوات الشرطة البريطانية في إدارة المستعمرات، وشكلت قوة عسكرية ضاربة أطلق عليها (البالماخ)، وكذلك عصابات (اشتيرن) التي أسسها (ابراهام اشتيرن) عام 1940، حيث أطلقوا على أنفسهم (منظمة ليحي) أي المحاربون من أجل حرية «اسرائيل»، وتفرع عنها مجموعات أخرى عديدة تعمل داخل فلسطين وخارج فلسطين من أجل العمل على تجميع المهاجرين بشتى الأساليب الممكنة والاتيان بهم إلى فلسطين، وكانت هذه المجموعات هي النواة الأولى للجيش «الاسرائيلي»، ومن أبرز قادة هذه العصابات : اسحق شامير ومناحم بيجن اللذان أصبحا رئيسين للحكومة الإسرائيلية.
الجيل الثاني تمثل بحروب الجيوش المكتملة، حيث تم العناية بتشكيل جيش قوي ومدرب ومسلّح بأحدث الأسلحة على مستوى العالم، ووضع هدف تحقيق التفوق على الجيوش العربية مجتمعة، وخاض الجيش الاسرائيلي حرب (48) وحرب (67) وحرب (73) وحروبا أخرى متفرقة عديدة على الجبهات العربية، واستطاع أن يزيد من حصيلة احتلاله للأرض العربية، واستولى على مساحات شاسعة، وما زال حتى اللحظة يحتفظ باحتلال الضفة الغربية والجولان السوري، وجزء من جنوب لبنان بالإضافة الى فلسطين التاريخية عام 48، وسيطرة سلاحه الجوي المتفوّق على معظم الأجواء المحيطة، ورافق ذلك الجيل من الحروب «الاسرائيلية « حروب إعلامية وسياسية واقتصادية واستخباراتية عميقة وعديدة، لكنها كلها كانت تتمحور حول قوة «الجيش الإسرائيلي» وحروبه الميدانية على الأرض بالدبابات والمدرعات والمشاة المغطاة بسلاح جو حديث ومتفوق.
نحن الآن أمام الجيل الثالث من الحروب «الاسرائيلية» التي تعتمد على أنماط أخرى مختلفة وتقنيات حديثة، وطرق وأساليب قادرة على الفتك بالخصم بصورة أشد فداحة، وأكثر أثراً تدميرياً في صفوف العدو مع تقليل المخاطر وحجم الخسائر على صعيد الذات، ويبدو ذلك جلياً في جعل الخصوم يحاربون بعضهم بعضاً، من خلال اتباع استراتيجية اشاعة الانقسام والشرذمة بين صفوف العدو، وأن يمارس بعضهم حرب تصفية ضد بعضهم الآخر عبر حروب ومعارك طاحنة و طويلة الأمد، ولا تتسم بالرحمة، ويبدو كانت الاستجابة لدينا نحن العرب كبيرة في إنجاح مخططات العدو بطريقة فاقت التوقعات المفترضة، التي تم التنظير لها في حلقات العصف الذهني وفي مراكز الدراسات العسكرية والنفسية والاستراتيجية على مختلف الصعد وفي كل المستويات المعرفية، والاستثمار في حجم المعلومات وكمية المعرفة التي تم الحصول عليها من خلال مختبرات «الفئران» العديدة، بالإضافة إلى حجم الخبرة المتوافرة لدى مراكز الاستطلاع الصهيوني وما يحيط به من دوائر صديقة وحليفة، فمن كان يتوقع أن تستمر الحروب الداخلية في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر على هذا النحو وبهذه البشاعة طوال هذه السنوات بالمقارنة مع حروب الجيل الثاني من حروبها، فعلى سبيل المثال استمرت حرب (67) ستة أيام، لكن حروبنا الداخلية أكملت خمسة أعوام وما زالت المعارك مستمرة.
ينبغي أن يعلم الفلسطينيون أن الاستراتيجية الاسرائيلية تقوم على مواجهتهم بالطريقة نفسها؛ عبر تفريق الشعب الفلسطيني وتثبيت فكرة الانقسام العميق بين فتح وأنصارها من جهة وحماس وأنصارها من جهة أخرى، وعليهم أن يعلموا يقيناً أنهم إذا أرادوا مواجهة عدوهم عليهم أن يبطلوا هذه الاستراتيجية، وحيث بات واضحاً ومما لايحتاج إلى برهان أن هناك عملا حثيثا على إيجاد كيانين أحدهما في غزة والآخر في بعض مناطق الضفة، وإيجاد هوّة عميقة بينهما مليئة بالنار والدم والحقد، أكثر من الهوّة بينهما وبين جيش الاحتلال.
أعتقد جازماً أن أكثر الأطراف العالمية حبورًا وفرحاً وسروراً بما يجري داخل الأقطار العربية هي «اسرائيل»، وأنها تشعر بنشوة عارمة وهي تشاهد القاتل والمقتول من العرب، وأنها أصبحت بمنأى عن خطر المواجهة المحتملة مع الأطراف العربية، الغارقة بدمائها وأشلائها وتخلفها وعجزها، الذي سوف يستمر إلى سنوات قادمة.
الدستور