هشاشة المناعة وبشاعة الاستجابة .. !
حسين الرواشدة
19-05-2017 02:17 AM
اوشك عالمنا العربي والاسلامي - للأسف - ان يقع في فخ “المذهبية” او انه - ان شئت الدقة - وقع فيه فعلا، ولهذا لا بد ان نضع هذه الفتنة الجديدة موضوعا للنظر والدراسة والمعرفة، تمهيدا للتحذير من المبالغة فيها او استخدامها كعيدان ثقاب لاشعال ما تبقى من هشيم وحدتنا الاسلامية.
هنا يمكن الانتباه لجانبين: الاول هشاشة حوائط الصد والمناعة على صعيد امتنا، ومجالاتها الفكرية والسياسية والاجتماعية، الى درجة ان أية محاولة للعبث في داخلها وتهشيم ابنيتها واساساتها اصبحت اكثر سهولة مما كنا نتصور.
الجانب الثاني ان الفاعل الحقيقي والمؤثر في كل ما نتابعه من سجالات واحترابات مذهبية او طائفية او سياسية هو الآخر، ومع ان استجابة “ذاتنا” بمثل هذه السرعة كما اسلفنا تبدو غير متوقعة وربما غير مفهومة، فان ضخامة المضامين والادوات والقنوات التي يستخدمها الآخر، بما يفوق قدرة شعوبنا على مواجهتها بكفاءة، تضعنا امام الاجابات الحقيقية لطبيعة الهدف المقصود، وحقيقة “الفخ” الذي يراد لنا ان نسقط فيه.
في هذا الاطار، ومهما تكن “الاستفزازات” التاريخية والواقعية المتداولة من هذا الطرف او ذاك فان اية محاولة للحكم او الادانة او حتى الغضب ينبغي ان تسبقها محاولات اوسع للفهم والتفاهم، ان لم نقل لصياغة ما يمكن من تسويات وتفاهمات وحوارات قد تساعد في تبريد هذه المناخات او “تأجيلها” على الاقل، وهنا فان اثارة سؤال “الاولويات” في تحديد من هو الطرف المفترض ان نواجهه او ان نشهر خلافنا وخصومتنا معه يبدو وجيها؟ هل عدونا الاول - كمسلمين: سنة وشيعة - هو المذهبية التي وقعنا في شباكها ام انه المشروع الذي بدأ الآخر في تصديره الينا بكل ما يمتلك من وسائل؟
للانصاف قد تكون العصبية المذهبية “مرضا” مفزعا على صعيد الذات، ولكن هذا المرض هو صناعة “الآخر” بامتياز، ولهذا فان التوجه الى المعالجة يقتضي البحث عن اصل المرض لا عن اعراضه، وعن جذوره لا عن فروعه، وهنا تتضح الصورة - في بعدها السياسي والطائفي - اكثر، ويبقى على النخب الفكرية والدينية ان تحسن تناول “الخلاف” وترشيده، ومعرفة ما يخفي وراءه من مقاصد، والعمل على “جدولته” او تجاوزه وفقا لمناهج المواجهة والتغيير التي بسطها علماؤنا في مجال الفقه والسياسة، والدين والدنيا، على حد سواء.
وباختصار، نحن امام حالة استدعاء واستخدام “للمذهبية” في أسوأ صورها، وهي ليست حالة جديدة في تاريخ امتنا، ولكنها الاخطر بسبب هشاشة المناعة التي نمتلكها وبشاعة “الاستجابة” التي تخرج منا، ولهذا علينا ان ننتبه لكل الذين يحاولون الذهاب الى التاريخ لنبش قبور أصحابه، او الاستغراق في الحاضر للمبالغة في “جرد” حساباته وخسارات كل طرف فيه، او حتى - التوجه - الى المجهول بدعوى انه المستقبل، بذريعة المصارحة والمطارحة، فيما الحقيقة ان احترام هاتين القيمتين الآن بهذا الشكل المفاجىء يدفعنا الى تحسس رؤوسنا ووضع ايدينا على قلوبنا.. انتظارا “للكارثة”التي يراد لامتنا ان تذهب اليها لا قدر الله.
الدستور