مجلس الأمن .. سابقة أولى وخطيرة
جودت مناع/ لندن
07-12-2008 11:07 PM
يظهر قرار "مجلس الأمن الدولي" إزاء أعمال مليشيات المستوطنين الصهاينة شبه العسكرية، انحيازا واضحا للكيان الصهيوني.
فالقرار الذي أصدر المجلس اكتفي بإدانة شفهية كغيره من القرارات بدون أي إجراءات فعلية من ناحية، والإشادة بدور قوات الاحتلال الإسرائيلي من ناحية أخرى لإخلائه مستوطنين مسلحين من منزل احتلوه بالخليل جنوب الضفة الغربية.
وهذه أول مرة في تاريخ "مجلس الأمن الدولي" تصدر عنه إشادة بقوات احتلال ما زالت جاثمة على أرض فلسطين منذ أكثر من ستة عقود وهو ما يبعث عن قلق حقيقي ينتاب كل الوطنيين الفلسطينيين ومناصريهم العرب والأجانب في هذه المرحلة التي يواجهون بها مليشيات المستوطنين الإرهابية.
إن قوات الاحتلال لا يمكن تبرئتها مما يحصل الآن من حرق لمنازل ومركبات الفلسطينيين ومداهمة بيوتهم حيث الاعتداءات على النساء والأطفال والشيوخ.
فالقرارات التي يتخذها ما يسمى بـ "مجلس الأمن المصغر" في مجلس وزراء الكيان الصهيوني -غالبيته من العسكريين- يعلن عن بعضها ويبقى الآخر سرا وبذلك فإنه مجلس حرب بمصطلح غطاء أمني يتحمل مسؤولية ما يجري ضد المدنيين الفلسطينيين.
فتوافد مستوطني مستعمرة "شيلو" الواقعة على طريق نابلس – رام الله وتنظيمهم لهجوم على قرية سنجل الواقعة على ربوة مقابل المستعمرة ويفصل بينهما الطريق الرئيسي الذي يربط المدينتين وصلوا بسياراتهم التي سارت على هذا الطريق.
وتستمر الهجمات الإرهابية ضد الوطنيين الفلسطينيين في أكثر من مدينة وقرية وهو ما حصل لقرية عزموط قرب نابلس شمال الضفة الغربية.
ومن منا لا يتذكر مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا حين قامت مليشيات عميلة لإسرائيل بقتل مئات الفلسطينيين بعد أن قدم وزير الحرب الإسرائيلي السابق آريل شارون الذي بسط سيطرته العسكرية على بيروت آنذاك مساعدة لوجستية لتلك القوات المهاجمة.
وتتصاعد تحركات المستوطنين ضد القرى والمدن الفلسطينية في وقت تفرض فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي إغلاقا محكما ضد حركة الوطنيين الفلسطينيين في الوقت الذي لم تتخذ إجراءات لمنع استخدام المستوطنين لتلك الشوارع المغلقة وهو ما يفسر تقديم تلك القوات مساعدات "لوجستية" للإرهابيين.
ويبين تمرد المستوطنين فشل الأهداف التي شيد من أجلها جدار الفصل العنصري على الحدود القسرية بين الكيان الصهيوني والأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية حيث ابتلع مساحات شاسعة محتلة وفشل في تحقيق أهدافه الأمنية للفلسطينيين واليهود على حد سواء.
إن تورط قوات الاحتلال الإسرائيلي في الجرائم التي تنفذها عصابات المستوطنين الإرهابية لن نسمح بأن يكون قضية جدلية لأن تقارير الأنباء الواردة من المدن القرى الفلسطينية التي تتعرض لهجمات تفيد بتزامن التواجد العسكري الرسمي للجيش الإسرائيلي ومليشيات المستوطنين العسكرية أثناء الاعتداءات.
وبرغم معرفة قوات الاحتلال الصهيونية بهوية بعض المستوطنين المشاركين في تلك الهجمات لم نسمع باعتقال أي منهم أو تقديمهم لمحاكمات عاجلة كتلك العسكرية التي يساق إليها الوطنيون الفلسطينيون.
وفي هذه المرحلة العصيبة لا يمكن أن نبرئ المسؤولين عن أجهزة الأمن الفلسطينية التي أصابها الشلل وتركت أبناء شعبها يئنون تحت وطأة الحصار العسكري في قطاع غزة وضربات المستوطنين في الضفة الغربية التي تضجع أمن الفلسطينيين أماكن سكناهم وأراضيهم.
لذلك فإن قرار مجلس الأمن لا يعدو كونه كذر الرماد في العيون فالشق الثاني من القرار كان بمثابة منح الشرعية لقوات احتلال تمارس البطش والتنكيل والحصار ضد أكثر من ستة ملايين فلسطيني يعيشون على أرض فلسطين التاريخية وهو عدد يفوق عدد اليهود وهو ما يؤكد عنصرية الكيان.
أما الذي لم يناقش في "مجلس الأمن" بعد....
هو خلو قطاع غزة من أوراق النقد ما ينذر بتفاقم الكارثة التي حلت بالمواطنين هناك لاسيما وأن عشرات آلاف الأسر تعتمد في عيشها على رواتب القطاع العام، وقرار منع إدخال الأوراق النقدية هو قرار مجلس الحرب المصغر.
إن منح "مجلس الأمن" في قراره الأخير صك براءة لقوات الاحتلال ومليشيات المستوطنين التي يخدم أفرادها في قوات الاحتلال سابقة خطيرة وهي الأولى من نوعها في تاريخ الصراع الفلسطيني – الصهيوني وعلى الدبلوماسية الفلسطينية والعربية عموما أن تراجع أجندتها في أروقة الأمم المتحدة.
* صحفي فلسطين ومحاضر في الإعلام
Jawdat_manna@yahoo.co.uk