في حقيقتها ما هي إلا إنهيار مالي أمريكي .. في إطار الحمق الإداري والسياسي والعسكري الذي كانت ولا زالت تمارسه الإدارة الأمريكية المتصهينة الحالية ، ومن دون إدنى شعور بالمسؤلية أو إحساس بالخجل أو الوجل، والتي إضطرت مؤخرا تحت الضربات الموجعة للمقاومة العراقية الباسلة إلى الأعتراف وعلى لسان بوشها الصغير ومن دون أن يندى له جبين أو تحمر له وجنة بانه وبعد أن قتل ما يقارب المليون شهيد وشرد وهجر ما يزيد على الأربعة ملايين آمن بما كان يعرفه حتى الأطفال بأن حربه المجنونة على العراق قد قامت إستنادا إلى معلومات إستخبارية خاطئة !!! ناسيا أو متناسيا تصريحاته قبل الغزو والتي قال فيها بكل رعونة وسذاجة وإستخفاف بعقول البشر بأنه قد شن حربه الأخيرة على العراق بناء على اوامر وتعليمات من الرب !!! .
فأن الأزمة المالية العالمية الحالية التي يُحمل فيها بوش زورا وبهتانا مسؤليتها إلى المواطن الأمريكي المغلوب على أمره والذي هو بالمناسبة من أهم ضحاياه، ما هي إلا إمتداد ونتيجة طبيعية لسلسلة من سوء تصرفات الإدارة الأمريكية الحالية والمشدودة من دون إدنى وعي أو إدراك لأمكانياتها الموضوعية الحقيقية ، بهاجس ضرورة استمرارية هيمنتها وسيطرتها على مقدرات شعوب الأرض، واالمصيبة الكبرى بأن هذا العالم المظبوع امريكيا لا زال يردد من أقصاه إلى أقصاه وبكل بلاهة السيمفونية الأمريكية التي تختصر أسباب الأزمة المالية الأمريكية (وليس العالمية) بسؤ تصرف المواطن الأمريكي وهو بالطبع منها براء، وذلك من خلال إرجاع أسباب الأزمة المالية إلى عدم قدرة المقترض الأمريكي على سداد إقساط ديونه المتراكمة والتي فاقت طاقته على التحمل لمبالغته بالتزامه بأقساط مالية تفوق قدرته عل السداد والتي تتمثل حصرا بقروض :
* الرهن العقاري البالغ مقدارها حوالي (14) تريليون دولار والموزعة على ما يقارب (70) مليون إسكان عقاري منتشر في مختلف بقاع الولايات الأمريكية.
* بطاقات الائتمان الشخصي والبالغ مقدارها حوالي (9) تريليون دولار والموزعة على ما يقارب (3) مليار بطاقة بلاستيكية وبمعدل يقارب (10) بطاقة / فرد أمريكي .
ولجوء البنوك التجارية الأمريكية التي تعود إليها ملكية هذه القروض إلى تسيليها عبر توريقها وتحويلها إلى سندات مالية تباع وتشترى في بورصة الأوراق المالية ، الأمر الذي ترتب عليه بالتبعية انتشار وتوزيع هذه السندات بخيرها وشرها على مختلف المؤسسات المالية في العالم، وبالتالي إعطاء هذه الأزمة بعد إنخفاض أسعارها السوقية طابع وامتداد دولي، هذا بالإضافة للأسباب الثانوية الأخرى التي من أهمها ارتفاع رواتب وعمولات بعض كبار موظفي البنوك التجارية في أمريكا ، والتي وفقا لرواية رئيس إحدى الأكاديميات العربية الخاصة أن راتب احد المدراء العاملين فيها قد بلغ ما يقارب الـ (400) مليون دولار أمريكي سنويا !!! .
ومع أن هذه الأسباب ما هي إلا نتائج وانعكاسات مخزية لسؤ تصرفات الإدارات الأمريكية المتعاقبة وبالذات خلال العقد الماضي والتي كان المواطن الأمريكي للأسف هو من أهم ضحاياها، والعالم للأسف لا زال يردد ببلاهة ومن دون تفكير ما تقوله الإدارة الأمريكية الحالية بخصوص الأزمة، ولم ينتبه إلى أن هذه السيمفونية المشروخة والتي يتم ترديدها وتسويقها بين الخاصة والعامة ليلا نهارا ، ما هي إلا صورة ممسوخة من صور الدجل والتهليس والتدليس الأمريكي والذي عودتنا عليه في عهد إدارة بوش الصغير وإلا بماذا يمكن تفسير التالي :
* التغيير التدريجي الممنهج في فحوى الخطاب الأمريكي حول الأزمة، فهم تارة يقولون لنا بأن أسبابها تعود إلى قروض الرهن العقاري وتارة أخرى إلى بطاقات الائتمان الشخصية وتارة أخرى إلى تعثر صناعة السيارات ... والحبل على الجرار!!!، والنتيجة الأخيرة والأكثر إحتمالا هي انهيار أمريكا ... ومن ثم بناء هيكل سليمان لا سمح الله !!! مثلما كانت البداية في الحرب على العراق هي امتلاك أسلحة الدمار الشامل ومن ثم علاقته بتنظيم القاعدة وكانت النتيجة الأخيرة لها هي تدمير دولة وإبادة شعب وتنصيب شلة من العملاء والحرامية والساقطين على انقاذه بعد أن تم تدمير منجزاته الحضارية والاقتصادية بدعم شعوبي وصفوي منقطع النظير يحركه الحقد التاريخي الدفين على العروبة والإسلام والذين كل ذنبهم يتمثل في أنهم كان لهم الفضل بتحويل من كان مغرق بعبادة النار بالسيف إلى عبادة رب العباد، وحاصل جمع النتيجتين قد كان خدمة أحفاد بن العلقمي وتحقيق الأهداف العليا للصهيونية والماسونية العالمية.
* تفاهة حجم العلاج المالي المقترح مقارنة مع الحجم المالي المعلن للأزمة فهو وفقا لأحدث التقديرات يتراوح ما بين (500- 800) مليار دولار مع أن الحجم المالي للأسباب المزعومة للأزمة وفقا لأحدث التقديرات ايضا يصل إلى مايقارب الـ (23) تريليون دولار، أي أن العلاج يمثل ما نسبته فقط (2%- 3%) من حجم المشكلة !!! ، ناهيك عن تعدد وتبدل أوجه إنفاقها من حين لآخر، فمره يتم التحدث عن استخدامها لشراء الديون المتعثرة في بعض البنوك ... ومرة لزيادة حجم الإقراض للمواطنين من أجل زيادة مستوى الطلب على الاستهلاك ... ومرة لتمويل صناعة السيارات من أجل حمايتها من مخاطر الإفلاس ... الخ .
الأمر الذي يؤكد من دون ادنى شك بأن مسؤلية الأزمة هي أولا امريكية بأمتياز، والأسباب الحقيقية للكارثة المالية الأمريكية (وليس الأزمة المالية العالمية) هي ثانيا ليست الأسباب الأمريكية المعلنة والتي هي عبارة عن بعض النتائج الكارثية التي حلت على الشعب الأمريكي من جراء الأسباب الحقيقية التي تحاول عبثا إخفاءها الإدارة الأمريكية ، وما يعاني منه المواطن الأمريكي من فقر وعوز وبطالة وسمعة سيئة هو مجرد نتائج متوقعة للسياسات الإجرامية التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية الحالية ، فالشعب الأمريكي ومعه العالم أجمع يدفع الآن للأسف ثمن غباء وحمق ورعونة هذه الإدارة، أما الأسباب الحقيقية للأزمة فأنه يمكن تلخيص اهمها على النحو التالي :
اولا : الأسباب السياسية : وتتمثل في السعي الأمريكي المحموم لأستمرارية الهيمنة والسيطرة الآحادية الجانب على العالم، مع حرصها الشديد على عدم السماح لظهور أي منافس حقيقي لها على وجه الأرض، الأمر الذي اضطرها إلى إقامة خمسة قواعد عسكرية (مليون جندي امريكي) موزعة على مختلف قارات العالم، لأستخدامها للبلطجة والسطو المسلح على دول العالم ومن خلال محاربة عدو مجهول ومختلق وغير واضح المعالم تحت يافطة الدفاع عن الديمقراطية ومحاربة الأرهاب، والحقيقة الدامغة هي محاربة وتدمير كل من يحاول أن يرفع رأسه في وجه أمريكا ، مجيزة لنفسها انتهاك قواعد القانون الدولي واللجؤ إلى الهجوم المباغت والضربات الأستباقية متى ما ارادت وفي أي زمان وأي مكان هي تختاره ، دونما أي إعتبار أخلاقي أو رادع أدبي لما يترتب على هذا السلوك الأجرامي من زعزعة للأمن والأستقرار الدوليين ؟؟؟ .
ثانيا : الأسباب العسكرية : وتتمثل بالتصاعد المستمر في حجم الأنفاق العسكري الأمريكي الأجمالي حيث اصبح يشكل ما نسبته حوالي (50%) من حجم الأنفاق العسكري العالمي الكلي والبالغ قيمته (1.35) تريليون دولار ، في حين أن حجم الإقتصاد الأمريكي الأجمالي لا يشكل من حجم الأقتصاد العالمي الكلي سوى (25%) والبالغ قيمته (45) تريليون دولار، بالأضافة إلى سؤ تقديراتها لحجم تكلفة حربها غير الشرعية على العراق حيث تم تقديرها من قبل مدير الموازنة الأمريكي في بداية عام 2003 بـمبلغ (60) مليار دولار في حين أن تكلفتها الفعلية المباشرة الآن تجاوزت وفقا لكتاب جوزيف ستجليتز الخبير الأقصادي في البنك الدولي وليدا بيلمز الأستاذة في جامعة هارفرد الصادر في عام 2007 تجاوزت مبلغ الـ (3) تريليون دولار، ما عدا التكاليف السنوية للفوائد أو تكلفة الفرصة البديلة التي خسرها الأقتصاد الأمريكي ولا زال من جراء عدم استثمار هذه المبالغ في مشاريع إنتاجية تخلق فرص عمل جديدة ومدرة للدخل ، والتي تم تمويلها جميعها بالقروض الداخلية والخارجية وبفائده سنوية تتعدى الـ (600) مليار دولار ؟؟؟ .
ثالثا : الأسباب الأقتصادية : وتتمثل في بلوغ حجم الين الأجمالي الأمريكي المتراكم (العام والخاص) في السنة الأخيرة من عهد الإدارة البوشية ما يقارب (70) تريليون دولار أي ما يعادل خمسة أضعاف الناتج القومي الإجمالي الأمريكي تقريبا وبمعدل (23) ألف دولار دين لكل مواطن امريكي، وبلوغ العجز في الميزانية العامة للدولة في ما تقارب نسبته حوالي (400%) من الناتج القومي الأجمالي وما نسبته حوالي (70%) من الناتج المحلي الأجمالي، وبلوغ العجز في الميزان التجاري لهذا العام فقط ما يقارب الـ (800) مليار دولار، وذلك نتيجة لزيادة الأعتماد في الإستهلاك المحلي على الأستيراد من الخارج مع تراجع شديد في مستوى الأنتاج المحلي، وإيضا الأعتماد المتزايد على إستهلاك الطاقة حيث اصبحت تستحوذ عل ما نسبته (25%) من الأنتاج العالمي للطاقة مع ان الشعب الأمريكي لا يشكل سوى (5%) من سكان العالم، مقابل فائض تجاري لدى كلا من الصين واليابان، وانخفاض حاد في قيمة الدولار من اجل زيادة الصادرات مقابل أرتفاع في قيمة اليورو والعملات الأخرى بلغ ما يقارب الـ (35%) ، وارتفاع لمعدل التضخم إلى وصل ما نسبته حوالي (6%) .
الأمر الذي سوف يترتب عليه على المدى القصير والمتوسط والطويل العديد من النتائج السلبية للأقتصاد الأمريكي وعلى المدى القصير فقط للأقتصاد العالمي،وذلك لكون الأخير مع ظهور أقطاب جديدة على الساحة العالمية سوف يكون على المدى المتوسط والطويل هو من يقطف الثمار ويتمثل جل هذه النتائج بالتالي :
أولا : أن مرحلة سياسة الدولار القوي التي قامت منذو عام 1971 على اساس الثقة وطباعة الدولار الورقي من دون غطاء ذهبي قد ولت من دون رجعة، والتي كان من خلالها تقوم امريكا بشراء واستيراد السلع والخدمات من دول العالم بالمجان ومن دون مقابل حقيقي، وأنما مقابل فقط ورق مطبوع ليس له من قيمة سوى تكلفة الورق نفسه وما يوضع عليه من حبر أخضر، وهي بالمناسبة تعد اكبر وإسوأ عملية نصب ونهب وإحتيال في تاريخ العالم !!! .
ثانيا : نتيجة للتهشيم والتشويه الذي حصل في الصورة الذهنية الجميلة لأمريكا في العالم وعلى أيدي الإدارة الأمريكية المتصهينة وافتقادها لثقة العالم الأدبية والأخلاقية في آنا معا، فأن ما يزيد على (50%) من البنوك المركزية الموجودة في دول العالم قد قامت مؤخرا بتحويل احتياطياتها النقدية من الدولار الأمريكي إلى اليورو الأوروبي في الوقت الذي كان به الدولار الأمريكي قبل الأزمة يهيمن على (63%) من سلة إحتياطياتها من العملات الصعبة ؟؟؟ .
ثالثا : استحواذ ما نسبته (1%) من الشعب الأمريكي على ما نسبته (20%) من الدخل القومي وما نسبته (99%) على ما نسبته فقط (80%) من الدخل القومي ، وإقدام دول الفائض الإقتصادي بشراء ما يقارب (13) الف شركة من اكبر الشركات الأمريكية العاملة في الإقتصاد الأمريكي والمتبقي منها هو الآن على وشك الأفلاس أو قد افلس فعلا !!! .
رابعا : بلوغ عدد الذين يعيشون في حالة فقر ما يقارب الـ (36.5) مليون مواطن منهم ما يقارب الـ (16) مليون مواطن يعيشون في فقر مدقع ، اما الذين لا يتمتعون بحق الرعاية الصحية فقد بلغ عددهم ما يقارب الـ (47) مليون مواطن والعاطلين عن العمل منهم والذين يتلقون إعانات إجتماعية يبلغ عددهم ما يقارب الـ (3.84) مليون مواطن .
خامسا : ارتفاع مستوى المعيشة وتدني دخل المواطن الأمريكي واضطراره مؤخرا إلى الاعتماد الكلي على الاستدانة من أجل تمويل تكاليف مسكنه وملبسه ومأكله ومشربه ، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من الإستدانة ومن ثم المزيد من بيع الأصول الثابتة والمرافق الأنتاجية ، وفي المحصلة النهائية إعلان الإفلاس والإنهيار المالي الكامل.
والخلاصة هو أن الأسباب الحقيقية للأزمة المالية الأمريكية تعود في مجملها إلى سؤ إدارة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم ، وعلى دول العالم الآن أن تنتبه وتتخذ كافة الإجراءات والإحتياطيات الضرورية اللازمة لتخفيض أضرارها وخسائرها المالية بل وتحويلها إلى غنائم ومكاسب اقتصادية وسياسية، وذلك بالعمل سريعا على إعادة النظر بروابطها السياسية والعسكرية والإقتصادية والمالية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، والتوجه حالا نحو الصين والهند وروسيا والبرازيل ولأسباب أصبحت معروفة للجميع ولا يتسع المجال لذكرها الآن ، لاسيما وأن الذي تم بناءه بالكد والجد من قبل الشعب الأمريكي العظيم خلال ما يزيد على مائة عام تمكن بوش الصغير للأسف من تدميره وهدمه خلال اقل من ثمانية سنوات، ولن يستطيع الرئيس المنتخب اوباما مهما بلغ من طاقة وحدة في الذكاء ومن مخزون وأرث ثقافي وحضاري وأخلاقي رفيع المستوى من إعادة بناء ما تم هدمه وتخريبه خلال أربعة أو حتى ثمانية سنوات فالبناء غير الهدم !!!؟؟؟ .
الكاتب : باحث إقتصادي
البريد الألكتروني (fshawawreh@yahoo.com)