«المنطقة العربية وزيارة الرئيس ترمب»
د. بسام الساكت
16-05-2017 11:25 AM
أية إطلالة على مايجري في عالمنا العربي ومنذ عشر سنوات ، «تصدمك شاخصة « واضحة متحركة تُطَبَّقُ على الارض العربية لفكر إدارة السيدة كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية السابقة :هي إستراتيجية عُرِفت «بالفوضى الخلاّقة» أو «الفوضى المنَظَّمة «: نزاعات وملهاة وقتل وتفتت وتمييز وإنقسامات على مختلف المحاور المذهبية، والطائفية والعرقية والدينية والجهوية ، والأيديولوجية في معظم البلدان العربية ، ناهيك عن النزاعات العربية العربية والإسلامية العربية.
ويشمل ذلك سوريا والعراق وليبيا واليمن، تلك الإفرازات التي أبعدت الإهتمام بالقضية العربية قضية إحتلال فلسطين وأصبح هناك في منطقتنا وسوِّق ذلك للعالم بأن هناك ، إن صحّ التعبير–تعددية في القضايا والإهتمامات واختلطت أسباب النزاعات وعدم الاستقرار.
وجاء ما سمي بالربيع العربي لتتسع الفجوة والإنقسام و اسْتُبْعِدَ «الإحتلال « للأرض الفلسطينية ، ، تلقائياً ،من قائمة المسببات بفعل فوضى الأحداث والإلهاء. وتلقى عالمنا العربي صفعات من مختلف الجهات ، وقلاقل على مختلف الجبهات..ودخلنا في دوَّامة ودُوَارٍ وفوضى–نعم فوضى منظمة من قِبَلِ مايسترو خارجي وأكثر. ولا نستبعد الاصابع الإقليمية بيننا سواء المشاركة بالتنظيم للفوضى أو المفروض عليها المشاركة في التنفيذ.
ومن «أدوات إنجاح» وتحقيق إستراتيجية الفوضى المنظَّمة: إضعاف المنعة الاقتصادية والإدارية والسياسية للبلدان العربية، حتى ترضخ وتقبل ما يفرض عليها من الخارج وبفعل الأحداث. وكذلك الابتزاز الأمني والسياسي لبعض دول المنطقة بدعوى رفع الحماية الخارجية الأمنية عنها، أو ابتزازها بإلصاق تُهَم تمويل أوإحتضان الإرهاب.
واي إستعراض لأوضاع الدول العربية الاقتصادية في تقارير البنك وصندوق النقد الدوليين ، وتقارير التنمية البشرية الصادرة عن منظمة الامم المتحدة لبلدان غربي أسيا، يجد فيها الباحث مؤشرات ذلك الاضعاف السلبية من الفوضى الاقتصادية والاجتماعية المقصودة والمخطط لها ، من تصاعد عبء المديونية وهروب رأس المال الوطني وإحجام الاستثمار الخارجي والداخلي والبطالة للشباب والعنف ، وعدم الاستقرار على الجبهات الاجتماعية والسياسية والمالية. وتمثِّل محصلة هذه الإفرازات السلبية «البنية التحتية «التي تيسّر للمخطط الخارجي قبول دول المنطقة لشروطه ، مُكْرَهينَ أو متجاوبين معها بفعلِ الضغط والإنهاك وضعف التحمل..
لقد مهدت سياسة «الإضعاف الاقتصادي والاجتماعي»لدول المنطقة إلى تقوية الأذرع التنفيذية والبيئية ، لتنفيذ سياسات الإستراتيجية ، تلك. فترانا نسمع ونقرأ عن بلدان عربية عديدة فقيرة وأخرى ثرية في وضع مالي ونزيف سيولة مالية، تلجأ الى عرض بيع جزء من جواهر إقتصادها تحت شاخصة التخاصية وتنويع مصادر الدخل ، وتقترض من السوق المالي الدولي ، وترفع شعار الترشيد والتقشف وتتباطأ في تنفيذ أية إلتزامات ووعود للاستثمار والدعم للخارج. بل تلجأ الى رفع أسعار بعض السلع وفرض رسوم وضرائب داخلية لم يسبق لها ان فرضتها.وهبطت معدلات نمو الإقتصادات العربية ومنها الاردني، والمصري، وتلك في العديد من دوّل الخليج العربية ، وإيران وتركيا. والحال أسوأ في ليبيا وقطاع غزة، والسودان والعراق. ولا يستبعد هنا من مسببات الضعف ، بالطبع ، إنخفاض أسعار النفط والمنازعات البينية والداخلية في اليمن وسوريا والعراق. وحالة الضعف تلك ، تقابلها تنامي قوة إسرائيل ، وتحسُّن نسبيٌ «مفتعلٌ» في الحال المعاشي والدخل الفردي في الضفة الغربية، مقابل ضعف وعَوَزٍ في غزة ، وضعف تنموي وتصاعد عبء مديونية ثقيلةٍ في الاقتصادات الاخرى ومنها الاردني لهبوط المعونات وحال عدم الاستقرار في الجوار ، وكذلك هناك ضعف في الاقتصاد المصري المُثْقَل، وهبوط أسعار عملته وموارده من العملات الصعبة. وطلع علينا ،قبل ايّام، خبر تنحِّي السيد خالد مشعل عن قيادة حماس في غزة متزامناً معه اعلان اعتدال سياسي لحركة حماس وقبولها لدولة فلسطينية على حدود ال 1967،،.
وللأسف لم يظهر للأردن في الإعلان أو غيره ايجابيات سعي الأُردن لإعادة إبراز القضية الفلسطينية على الأجندة الأميركية والدولية. كما لَم يظهر للأُردن ما ينشده من ثمار سعيه لتوحيد للزعامة الفلسطينية بين الرئيس عباس وحماس ، رغم تلاقي إعلان حماس الأخير مع السياسة الرئيسة لحركة فتح ؟! كل هذه الإفرازات السلبية والضعف هي سياسة «ربما» مدروسة وأوضاع تُسعِفُ أيّ جهة خارجية تقْصِد ليَ أيدي اصحاب القرار العربي ، وتضييق مساحة المناورة عندهم.
وسيزور المنطقة قريباً الرئيس الأميركي ترمب–الذي يُؤْمِن كرجل أعمال، لا كرجل سياسة ، يُؤْمِن بتحقيق الصفقات ويؤمن بتغيير الاتجاهات والسياسات فوراً عندما لا تلتقي مع هدفه المعلن: « مصلحة أميركا أولاً «. وقد ظهر فعلاً للشعب الأميركي أنه رئيس غير تقليدي ومرتبته في فحوصات الرأي العام الأميركي ، منخفضة ، ولا يلتزم بقواعد الرئاسة التقليدية المستقرة هناك. فكيف يا تُرى تقييمه بأعين المنطقة ؟ لقد خاطب الرئيس الاميريكي الأسبق أوباما شعوب المنطقة من منصةِ الأزهر الشريف في زيارته للمنطقة.
والآن سيخاطب الرئيس ترمب القيادات العربية والإسلامية عندما تجتمع للقاء معه في الرياض. و الفرق كبير بين رئيس أميركي مثل أوباما يخاطب بكلمته الشعوب ، وآخر مثل ترمب يخاطب القادة !. فهل سيفاجأ العالم والمنطقة ، بحل أميركي للقضية الفلسطينية يرتكز على إفرازات حالة الضعف والاستنزاف الاقتصادي والأمني في عالمنا العربي. وما مدى قدرة احتمال منطقتنا قبول أو رفض الحلول من طرف رئيس أميركي جديد ، له طموحات وهوىً وإستثمار فرصٍ لتحقيق مصالحه–أولاً ؟!!
هل سنُفاجَأ «بحل الدولتين» كما نفهمه وأعلناه في منطقتنا العربية ، أم بحل الدولتين ، لكن ، وِفْقَ نموذج آخر: لدولة فلسطينية في غزة أولا وآخراً وبعض إمتدادات لها من سيناء ، ودولة أخرى إسرائيلية يهودية في باقي فلسطين ؟! وبذلك يُرضِي «مرحليا» الليكود في اسرائيل كما قد يُرضِي البعض في العالم العربي المُنهك من الضعف والشِّدةِ والنزاعات فيجد في ذاك الحل متنفساً وفرصة ً ؟! وقد تكون فرصةً للبعض لدفن قرارات قمم عربية وإسلامية !.
نحن في الاْردن لا نتفق مع هذا الحل ، من حيث المبدأ والقناعة الثابتة. كما انه لا يريحنا. ودون شك فإن هناك دولاً قد يريحها حل كذاك الحل. وأخرى تصمت وأخرى تدَّعي الرفض محاولة إفشال الزائر الأميركي. وفِي واقع الحال ، سيخرج الرئيس من زيارته محمَّلا بصفقات مالية وتجارية وأمنية ويعلن للسوق الأميركي وللعالم والمنطقة أنه رئيس صاحب قرار وساعٍ للسلام والحلول، دايناميكي وكل من لا يعجبه ما يعرضه من حلول يُحمِّله النتائج. ويستمر حال المنطقة ، المُضْنِيُّ ، على حاله، لصالح الآخرين خارجه.
ورغم ذلك كله، فالدول العربية يجب ألاّ يغيب عنها مبدأ مركزي دَهْرِيّ: أن التقاءها واحترامها لشعوبها وحُسْنِ حوكمتها، هو بوليصة أمانِها وجدار الصين الآمن لها ، أمام أية حلول تفرضها الأحداث او يفرضها الواقع الحالي ، المُرْ. حتى الرئيس الأميركي الحالي المؤمن بسياسة رجل الاعمال والمصالح وعقد الصفقات فإنه يُدرِكُ ويحترم ذلك المبدأ الدَّهْرِيِّ. اللهم إنَّا نستعين بك من قِلَّة حيلةِ الأُمة وضعف ذاكرتنا في التاريخ ، وفي كيفية بناء وصيانة الدولة ونهضة الأمم . اللهم إحفظ بلاد العرب والمسلمين آمنة ، وإطْفِئ نار نزاعاتها البَيْنيَّة، وحروب الآخرين على أرضها.