ضجة كبيرة صاحبت انتشار خبر عقد قران الفنان السوري تيم حسن، بالإعلامية المصرية وفاء الكيلاني قبل أيام، تنم عن قلة الوعي والإدراك والذوق، للأسف الشديد!
وما كان من اللازم استئثار مساحة مقال أسبوعي للحديث حول هذا الصخب غير المفهوم، إلا لأنه غير مفهوم فعلا بالنسبة لكثيرين ممن لديهم الرغبة ليطرحوا سؤال “لماذا” على مثل تلك الحالة. وأعتبر نفسي واحدة من هؤلاء الذين لا يقبلون بـ”قلة الحيا” كمبرر ساقه غاضبون من ردود فعل النساء تجاه عقد قران فنان عربي اتسم بأدواره الرومانسية في السنوات الأخيرة. لذلك أجد نفسي مع كثيرات وكثيرين غيري مدهوشين من حجم الأسى والغضب والحقد والغل، الذي ظهر جليا على صفحات التواصل، ما وصل الأمر إلى حالة طلاق في الأردن بسبب الصدمة العاطفية لإحدى معجبات الفنان.
أتفهم بالطبع أنها ليست الحالة الأولى التي ترافق خبر ارتباط فنان رومانسي، خلال عقود طويلة كان خلالها الفنانون الرومانسيون يحيدون أخبارهم الخاصة عن النشر، خوفا من خسارة المعجبات كما حصل مثلا مع الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، الذي وصل به الأمر إلى إخفاء ارتباطه الرسمي بالجميلة سعاد حسني حتى بعد وفاته. طبعا وفاته وحدها كانت حكاية مليئة بقصص الانتحار والمرض والعزلة لعاشقات العندليب الأسمر. والأمثلة الأخرى كثيرة حول هذا الموضوع. إنما المستغرب حقيقة هو حجم وشكل البوح بالإعجاب والحب تجاه رجال آخرين، لا تربطنا بهم إلا علاقة المتلقي بالمرسل فقط، أو هكذا المفروض أن تكون العلاقة. فصفحات المواقع التواصلية زاخرة بمثل تلك الصور والتعليقات الصريحة الجريئة المفصلة أحيانا لشكل الحب والإعجاب، من طرف واحد بالطبع، لأحد هؤلاء الفنانين الذين يؤدون أدوارا لا أكثر تليق عليهم ربما صوتيا أو شكليا أو تعبيريا، صدقت الكثيرات ربما أن هذه حقيقته في الحياة، فأصبح بلا شك حجة قوية حية لهن، لمواجهة جفاف مشاعر الرجل العربي وابتعاده الاختياري عن الرومانسية، باعتبار أنها مشاعر لا تليق بالرجال.
وهذا الجزء عله يجيب عن نصف “اللماذا” التي نحاول أن نبحث عن إجابة لها. فالحاجة إلى إظهار العاطفة والحب بالكلمات والممارسات الدرامية، أو لنقل كما صنعت شكلها الدراما العربية واستسهلت أدواتها، ونقلها جيلا بعد جيل من عقود الإنتاج والبث، كرس من بعض الفنانين أيقونات على قيد الحياة تدحض دفوعات رجالنا بأن الحب في القلب فقط بين القفص الصدري والرئتين، ويستحيل إظهاره على الوجوه والحركات، ليكون الجواب الدرامي أنه موجود وقابل للاستخدام البشري. هذا الأمر هو بالتحديد السبب الرئيسي لانتشار متابعات المسلسلات التركية في مجتمعاتنا، والتي التقط عبرها الأتراك “كعادتهم” سر الصنعة ونجحوا في وضع أياديهم عليها.
لكن النصف الآخر من السؤال هو المحير فعلا؛ لماذا أصبح البوح الجماعي بهذا التعلق والارتباط بأشخاص لا يمكن بل استحالة أن تقترن أسماؤهم بواحدة من هؤلاء المعجبات المفتونات، بوحا مستساغا ومتفهما وقابلا للتكرار؟ ولماذا يصل الأمر إلى البيوت المستقرة، حتى تنهار بسبب النشر على صفحات المواقع، فقط لأن إحداهن لم تستطع أن تمسك حزنها في داخلها على حلم بعيد المنال جدا، فقررت أن تقوله على الملأ؟!
ظاهرة الانفتاح على المشاعر المضطربة بهذا الشكل والمضمون، هي التي تحتاج إلى متابعة ودراسة إن لزم الأمر، وبعيدا عن الأحكام الاستباقية غير المؤدبة في الرد والتعليق عليها من قبل الرجال المغتاظين من المكاشفة، حتى وإن كانت غير منطقية ولا تليق بحياء مجتمعاتنا الفطري، واحترام العلاقات الخاصة والعامة.
وأخيرا وللتوضيح فقط، في العادة الفنانون والممثلون خصوصا، هم في حياتهم العادية بعيدون تماما عما يظهرونه على الشاشة، ما يتطلب منهم جهودا أدائية ونفسية كبيرة، تنعكس تلقائيا بشكل مناقض على معاملاتهم مع محيطهم الداخلي، بعد انطفاء ضوء الكاميرا. فلا تصدقن جدا ما تشاهدنه على الشاشة، بل تمسكن كثيرا بالحب العادي الطيب القائم على العشرة والاحترام، ولو كان متجهم الملامح!
الغد