غزة تنتظر سفن طارق بن زياد ..
مالك نصراوين
05-12-2008 10:57 PM
مصائب قوم عند قوم فوائد ، هذا هو حال الأهل في غزة ، الذين يعيشون اكثر من حصار ، هذا هو حالهم مع صائدي الفرص الاعلامية ، وعشاق الظهور الاعلامي .
فبعد ان قامت سفينتان اوروبيتان خلال الاسابيع الاخيرة ، تحمل على متنها برلمانيين ونشطاء حقوق الانسان ومناصرين للشعب الفلسطيني ، ومن بينهم شقيقة زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ، ويحملون معهم بعض المساعدات العينية ، وبقلوبهم وعبر السنتهم ، حملوا الدعم المعنوي ، فقاموا بكسر الحصار على غزة ، واستطاعوا الدخول اليها بجهود دبلوماسية ، وبثقل اصحاب المبادرة انفسهم ، وليس بالعنتريات الهوجاء او بقوة السلاح ، شعر العرب بالخجل من انفسهم ، لقيام اجانب بما لم يستطيعوا القيام به ، فقرروا ان يقوموا بنفس العمل الذي قام به الاوروبيون ، بنفس المقدار ونفس الطريقة تماما ، رغم ان الاوروبيين لا يحملون في قلوبهم مشاعر قومية عربية ، بل مشاعر تضامن انسانية .
فكانت السفينة الليبية التي ارسلت الى غزة ، وعلى نفس النمط الاوروبي ، وفشلها بالوصول الى غزة كان مؤكدا ، فليبيا ليست فرنسا او المانيا او ايطاليا ، ومن كانوا على متنها ليسوا كنظرائهم الاوروبيين ، لقد كانت تقليدا غير موفق ابدا .
وبالأمس كانت جلسة لمجلس النواب الاردني ، وبدعوة من نواب جبهة العمل الاسلامي ، والموضوع كان ارسال سفينة مماثلة للسفن الاوروبية ، لكسر الحصار عن قطاع غزة ، فكانت خلافات ، وكان هناك كما هو متوقع ، توجهين متضادين ، الاول متحمس لارسال السفينة رغم علمه بفشل مهمتها مسبقا ، والتوجه الآخر عقلاني ، طلب بحث امكانية انجاح العملية ، واجراء الاتصالات اللازمة ، كي يتحقق الحد الادنى من الاهداف على الاقل ، وهو هدف ايصال المعونات للمحاصرين ، وهم بامس الحاجة لها ، أكثر من الخطابات ورفع شارة النصر ، والضجيج الاعلامي الذي سيرافق تحرك السفينة وعودتها ، وهي بكلتا الحالتين محملة باطنان الادوية والاغذية ، فاهل غزة قد انهكمهم الجوع والحصار ، بحيث لم يعودوا قادرين ، على تحضير استقبال يليق بالاخوة العرب الفاتحين ، "عفوا المساندين" ، ففي الوقت الذي يرفعون فيها يدا بشارة النصر ، تضغط اليد الاخرى على المعدة الخاوية من الالم ، اما الفاتحين فيدهم الاخرى تخفف آثار التخمة .
لقد نسي الاخوة النواب الافاضل ، انهم ليسوا اوروبيين ، بل عربا واخوة لأهل غزة ، وان الدور المطلوب منهم ، والذي يتلائم مع حماستهم ، ليس ارسال سفن المساعدات الغذائية ، بل سفنا تحمل الفاتحين ، يقودها طارق بن زياد جديد ، لكي يقوم باحراق السفن بعد وصولها لشاطيء غزة ، فلا يبقى امامهم الا القتال ، لانهاء ابرز انواع الحصار ، وهو حصار الاسرائيليين ، ثم يقوموا بعد ذلك بانهاء انواع الحصار الاخرى ، الذي تنفذه حماس ضد بعض اهل غزة ، ضد الحجاج الذين منعتهم حركة حماس الاسلامية ، من أداء احد أهم واجباتهم الدينية ، وهو الحج الى بيت الله الحرام ، بحجة ان اختيارهم تم من قبل السلطة الفلسطينية في رام الله ، التي انقلبوا عليها انقلابا دمويا ، شهد العديد من الفظائع ضد ابناء حركة فتح .
اننا نتمنى على السادة النواب الافاضل ، ومنهم نسبة لا بأس بها من اصحاب الملايين ، الذين انفق الواحد منهم على حملته الانتخابية في العام الماضي اكثر من مليون دينار ، والذين يتقاضى كل منهم راتبا يفوق الاف وخمسمئة دينار ، ان يتبرعوا ببعض ملايينهم لاخوتهم في غزة ، وان يكلفوا الحكومة الاردنية بمهمة ايصال المساعدات الى المحاصرين ، فما قامت به الحكومة الاردنية بصمت وبدون ضجيج اعلامي ، وبفعل الاحترام الذي يحظى به الاردن من قبل الاصدقاء في العالم ، لا بل من قبل الاعداء ايضا ، كان له اكبر الاثر الايجابي في مساندة اهل غزة ، بدلا من هذه الرحلة الطويلة الشاقة حول شبه جزيرة سيناء ، وعبر قناة السويس ، ثم البحر المتوسط ، ثم العودة بنفس الحمولة .
m_nasrawin@yahoo.com