تقرير البنك الدولي الذي نشرت ملخصاً له الزميلة سماح بيبرس (أمس في صحيفة "الغد") يتحدث عن أحد أبرز التحديات التي تواجهنا على المدى القصير، أي خلال الأعوام القليلة القادمة، ويتمثّل في أمرين.
الأمر الأول؛ ارتفاع نسبة الفقراء في البلاد، وهي تبلغ حالياً وفق الأرقام الرسمية 14 % (أعتقد أنّها أكبر بكثير!)، مع ذلك فهي مرشحّة للارتفاع خلال الفترة القريبة إلى قرابة ثلث الأردنيين، أي تقريباً 35 %، بمعنى أكثر من الضعف، بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة، بخاصة أسعار الطاقة والنقل.
الأمر الثاني؛ مرتبط بالضغوط الشديدة على الخدمات الاجتماعية، مع وجود 650 ألف لاجئ سوري في الأردن، أغلبهم يعيشون في المناطق الحضرية، ويتقاسمون هذه الخدمات مع المواطنين. ويؤشّر التقرير إلى أنّ 34 % من أطفال البلاد سيبلغون سنّ المراهقة، وسيشعرون بأنّ الحكومة غير قادرة على "تلبية توقعاتهم"، وهو إحساس موجود فعلاً لدى شريحة الشباب في المحافظات الذين يشعرون بحالة من "الاغتراب" بسبب ارتفاع معدلات البطالة والنمو غير المتوازن في البلاد.
المفارقة في الموضوع، كما يذكر التقرير، أنّ هنالك استراتيجيات عديدة تمّ إقرارها على صعيد العمالة الوطنية، وكذلك التنمية الاقتصادية 2025، واستراتيجية الشباب وغيرها، لكنّ المشكلة عادةً هي في تنفيذ هذه الاستراتيجيات، ما جعل الشباب يشعرون بأنّها مجرد "تمارين" على الورق!
لفت انتباهي في تقرير البنك الدولي الإشارة إلى أنّ هذه التطورات والتحولات العميقة تؤثّر على بنية "العقد الاجتماعي" في الأردن، إذ أنّه "يعتمد إلى حد كبير على قدرة الحكومة على توفير وظائف في القطاع العام للكثير من مواطنيها ودعم أسعار الخدمات والمرافق العامة". ما يعزّز الفكرة التي كنّا نتحدث عنها في مقالة الأمس (بعنوان الإصلاح أقرع) بضرورة إعادة النظر في فهمنا لأنفسنا – كأردنيين- وعلاقتنا بالدولة، وبناء منظور فلسفي متماسك للدولة والمجتمع، ومن ذلك مفهوم العقد الاجتماعي الحالي.
نحن بحاجة ليس فقط إلى تجديد "العقد الاجتماعي" العرفي، غير المكتوب بين الأردنيين والدولة، بمعنى إعادة صياغة مفهوم العلاقة؛ ماذا يتوقع المواطنون من الدولة؟ وماذا تتوقع هي منهم؟ ما هو جوهر العلاقة بين الطرفين؟ هل هي علاقة تقوم على المواطنة والحقوق والواجبات وسيادة القانون والسير نحو تكريس مفهوم "الدولة المدنية"؟ أم شكل آخر من الدولة يوازن بين العناصر التقليدية والحداثية بصورة هجينة، كما وصفها قبل عقود الباحث الأميركي، روبرت ساتلوف، في كتابه "مشاكل في الضفة الشرقية: تحديات الوضع الداخلي في الأردن"؟!
الآن هنالك تغييرات كبيرة، ومياه كثيرة جرت تحت الأقدام، ولم تعد الدولة قادرة على القيام بهذه المهمات، ما أثار ارتباكاً واضطراباً كبيراً في علاقتها بشريحة اجتماعية عريضة (الشرق أردنيين)، بنت علاقتها للدولة، بل ومفهوم الدولة نفسه في مخيّلتها السياسية، على هذا الأساس، لذلك من الضروري البحث بالتدريج وبعقلانية عن إعادة صوغ هذا "العقد الاجتماعي" بما يخدم الطرفين ويعيد تشكيل بنية العلاقة بينهما.
أمّا العقد الثاني المطلوب، فهو "العقد المجتمعي"، أي بين أطراف المجتمع أنفسهم (كما ذكرنا في مقالة الأمس) عليهم أن يتوافقوا على رؤية عريضة وإطار للثقافة الوطنية ومعالم النظام السياسي والاجتماعي، ماذا نريد في المستقبل، لأنّ هذا العقد مفقود إلى الآن، وإن كان الميثاق الوطني 1991 شكّل سابقاً سيناريو مهما لهذا العقد، إلاّ أنّ ما نتحدث عنه أعمق وأكثر شمولية، بما يشمل مختلف الجوانب الرئيسة؛ سياسياً واقتصادياً وثقافياً ومجتمعياً.
من دون التفاهم على هذه الأسس، ومن دون أن نفكر في مفهوم الإصلاح التوافقي المطلوب أولاً، فإنّ هنالك حلقات مفقودة خطيرة ستبقى ملازمة لنا في السنوات القادمة، والعكس صحيح.
الغد