الصراخ السوري .. والهدوء الأردني !
رجا طلب
15-05-2017 12:41 AM
لم تكن العلاقة بين الأردن والنظام السوري بحالة « جيدة « إلا في أوقات محدودة واستثنائية ، ففي اغلب الأوقات والأزمنة كانت العلاقة ومنذ مطلع سبعينيات القرن الماضي أي منذ بدء استقرار النظام وانتهاء عصر الانقلابات العسكرية ، كانت العلاقة متوترة ومتشنجة ، سواء في عهد الأسد الأب الذي كان أكثر كياسة و» دهاء « في إدارة التناقض مع الأردن أو في عهد الأسد الابن.
في البعد التاريخي للعلاقة بين الأردن وسوريا ، نجد ان الدولة السورية هي نتاج الثورة العربية الكبرى التى قادها الشريف الحسين بن علي ، والدولة السورية تحديدا كانت « مملكة فيصل الأول « ، وهي حقيقة تسببت بتكوين عقدة تاريخية لدى النظام السوري من الدولة الأردنية وبخاصة في ظل « حكم البعث « ، وفي بعدين مهمين وهما :
الأول: « شرعية الحكم « ، ففي المملكة الأردنية الهاشمية شرعية تاريخية مثبتة لا مجال للتشكيك بها أو المزايدة عليها في حين أن الحكم في سوريا يوصف في وسائل الإعلام العالمية والأدبيات السياسية بأنه نتاج انقلاب عسكري غير شرعي أسس لحكم طائفي.
الثاني: « شرعية الاستقرار والاستمرار « التي تمتع ويتمتع بها الحكم في الأردن ، واللذان ساهما في بناء نظام مرتكز على بنى صلبة ساهمت في انتاج دولة راسخة تتفاعل مع العالم وتحظى باحترامه ، في حين ان سوريا « بلد الانقلابات العسكرية وقع بها منذ عام 1949 وحتى عام 1970 ستة انقلابات « تسببت في بناء هوية وطنية غير مستقرة وقابلة للتشرذم في ظل نظام اسرة الأسد والطائفة العلوية الممتد منذ عام 1971 والى اليوم.
لقد تسبب هذا الواقع « غياب الشرعيات « في دفع النظام السوري لتعزيز شرعيته المفقودة عبر « القوة والهيمنة» حيث قام باحتلال لبنان منذ عام 1975 حتى طرده منه على اثر ثورة الأرز عام 2005 ، وخلال وجوده في لبنان حاول الهيمنة على القرار الفلسطيني وإيذاء الثورة الفلسطينية وقيادتها والكثير من الأحزاب اللبنانية وارتكب مجزرة « تل الزعتر « خدمة للمليشيات المسيحية التى اتهمها لاحقا بانها « صهيونية « ، بل تعدى سلوكه هذا الأمر وعمل على تأسيس منظمات تابعة له مهمتها التخريب والاغتيال ومحاولة تقويض الأمن في عدد من الدول العربية منها الأردن والعراق والكويت ، وبعد « ثورة الخميني « عام 1979 وجد نظام الأسد في الخميني ونظامه « شرعيته المفقودة « والتصق به لسرقة جزء من التعاطف الكبير مع تلك الثورة في العالمين العربي والاسلامي قبل ان تتكشف نوايا الخميني ونظامه ضد الامن القومي العربي ، وشكل نظام الأسد الاب في تحالفه مع الخميني في الحرب على العراق اكبر « ضربة غادرة « في تاريخ منظومة الامن القومي العربي في العصر الحديث وساهم في تشويه « الثقافة القومية « بتحالفه مع ايران ضد دولة عربية ومحاولة احتلال اراضيها بالاضافة لاحتلاله لبنان على مدى ثلاثين عاما وتحويلها الى دولة عاجزة.
لقد عانى الاردن على مدى عقود طويلة من التحرشات السورية الامنية والعسكرية بهدف ابتزاز الدولة الاردنية والتي تعامل معها الاردن بصبر وهدوء وعقلانية حرصا على المصلحة القومية واستقرار المنطقة.
وعلى مدى سبع سنوات من الحرب الدائرة في سوريا عمل الاردن باقصى ما يستطيع لبناء معادلة حيادية مبنية على ركيزتين: الاولى عدم التدخل في الشان السورى باي شكل من الاشكال ، والركيزة الثانية: منع انتقال الفوضى او الارهاب الموجود في سوريا الى الاردن وحماية امنه الوطني بالطرق المشروعة.
ومن هنا يمكن وصف الاتهامات التي تكال للاردن منذ سنوات على انه يتدخل بالشان الداخلي السوري على انها « اتهامات باطلة « لم يستطع النظام اثباتها ، ولو كان يملك اي دليل عليها لكان سارع في تقديمه للعالم ، ولسارع في استثماره لتشويه صورة الاردن امام المحافل الدولية.
دبلوماسي غربي مطلع على الشان السوري ولدى استفساري عن سر الاتهامات السورية للاردن اجاب بالقول: لا يوجد لدينا تفسير محدد ، ولكن من الواضح ان النظام يعمل على تصدير ازمته للخارج ، وعندما يجري الحديث عن ان الاردن لا يملك قراره السياسي والعسكري يبدو واضحا ان هذا الكلام يقال للتغطية على التبعية الفاضحة للدولة السورية لكل من ايران ومليشياتها ، وتبعيتها لروسيا.
... النظام القائم في سوريا والمستمر منذ انقلاب 1970 كان ورغم تلاعبه بالشعارات القومية والعمل المبرمج على استثمارها سياسيا ، كان أول من « خان « هذه الشعارات و تحالف مع « الفرس» ضد العراق والعرب ، وكان اول دولة عربية تحتل دولة عربية اخرى شقيقة هي لبنان ولمدة زادت عن 29 عاما ، واليوم يسجل هذا النظام « المقاوم « في سوريا تبعية عمياء غير مسبوقة بين الدول لايران ولروسيا ، ويفقد ادنى مقومات الاستقلال.
فلماذا إذن هذا الصراخ ؟؟؟
Rajatalab5@gmail.com
الرأي