نحن البشر جميعا وبلا استثناء نعاني من مشاكل مختلفة ، صغيرة وكبيرة ، بعضها لا طاقة لنا به مثل الاعاصير والهزات الارضية والكوارث الطبيعية الاخرى. وبعضها من صنع أيدينا ومن بنات افكارنا ودرر اختراعاتنا. ومن هذه المشاكل لعبة المعايير المزدوجة و التناقضات بين أقوالنا وأفعالنا ، بينما نمعن في التباكي على غياب المنطق والعدالة و الحياد!
نشرب من الانهار والينابيع ونلوثها بأوساخنا ونسممها بفضلاتنا. نتغذى على ثمار الاشجار ونتفيأ بظلالها ولا نتوقف عن قطعها أو حرقها ولا نكلّ في الوقت ذاته من الدعوة لمكافحة الاحتباس الحراري ووقف التصحر. نصنع الادوية لانقاذ حياة المرضى وجرحى الصراعات والحروب التي نخوضها ، بينما نتفاخر بصناعة الاسلحة والذخائر الاكثر فتكا وتدميرا لكسب تلك المعارك. نصيد الحيوانات التي تعيش في البحر او على البر أو تطير في السماء لنأكلها ، ثم نسلخ جلودها ونحولها الى حقائب تحمل أسماء لامعة من عالم الازياء أو ننتعلها كأحذية من ماركات شهيرة ، لكننا نصر وصف تلك المخلوقات بالمتوحشة!
حتى الحيوانات الضعيفة لا تسلم من أذيتنا وشرورنا كالحمام والخرفان والدجاج وغيرها. نسفك دمها ونستمتع برائحة شوائها ، ثم نتلذذ بمذاقها ونحن نغني ونرقص احتفاء بمناسبات ندّعي انها تهدف لنشر الوعي للمحافظة على نظافة البيئة وادامتها تحت مسميات مضللة متناقضة!
لحسن حظ بعض الحيوانات ربما ان الانسان في بعض أرجاء المعمورة ارتأى ان لحمها لا يرقى لمذاقه ولا يصلح لمعدته الحساسة فتركها حرة طليقة ، وان كان لا يتوانى عن قتلها والفتك بها اذا سنحت له الفرصة للاستفادة من جلودها أو ترياقها أو أنيابها!
لو أجرينا مقاربة خاطفة عن عدد الناس الذين قضوا بمخالب وأسنان حيوانات الغابة والبراري على مر العصور ، وقارنا النتائج الاولية بعدد الحيوانات التي ذبحت برصاص الصيادين ورماحهم وسكاكينهم لاكتشفنا ارقاما وحقائق مذهلة. يتفنن البشر في صيد وقتل الحيوانات ، بل ويخوضون المسابقات المنظمة رفيعة المستوى للقضاء على أكبر عدد منها وبكافة انواعها ، لا من أجل بقاء الجنس البشري على قيد الحياة ، بل بهدف التسلية والتباهي والمتعة وباسم الرياضة! ترى لو نطقت الحيوانات أو استطاعت ان تعبر عن معاناتها على يد الانسان المتحضر فماذا تراها قائلة وكيف لها ان تشرح ورطتها ؟ من هو الطرف الذي يسعى للقضاء على الاخر؟ ومن الذي يطارد من ومن الذي يتقن اعداد المصائد والفخاخ ؟
هناك مثل شعبي يقول :» اذا لم تستح افعل ما شئت « و لعل الأصوب هنا ان يقال: « اذا لم تخف افعل ما شئت «! و في كلا القولين ما يشي بوجود ثلاثة عناصر: فعل وفاعل ومفعول به ! فاعل قوي متسلط ومفعول به ضعيف مستكين ، وفعل جبان مدان. أليس هذا ما يفعله الانسان القوي أيضا بالانسان الضعيف منذ بداية التاريخ ؟ اليست هذه المعادلة الجائرة هي سبب كل الحروب والصراعات التي خاضتها وتخوضها الشعوب ضد بعضها ؟
هذه ليست دعوة لرفع اللحوم عن الموائد العامرة فمثل هذا الكلام غير عملي أو منطقي. لكن هناك دعوة أكثر بساطة وصراحة وهي ان نسمّي الاشياء بأسمائها ، كأن نعترف من هو فعليا الطرف المتوحش المفترس ومن هو الطرف الاقل ضررا بكوكبنا المأهول ؟ من هو الجلاد ومن هي الضحية؟
لعل التخفيف من بعض ويلات كوكبنا اليتيم التي لحقت به على أيدينا وبحجة التقدم الصناعي والعلمي يبدأ بطرح أسئلة ساذجة كهذه!
الرأي