-1-
حينما أجرى لي الطبيب عملية «تخطيط القلب» تعرقت خجلا، فقد خشيت أن يرسم الجهاز صورتك!
-2-
الحوار الذي جرى بيني وبين الطبيب، بعد أن ربطني بتلك الأسلاك اللزجة، للبدء بعملية تخطيط القلب، كان لا علاقة له بالطب، فقد شط بي الخيال بعيدا جدا، وهيىء لي أن تلك الإبر التي ترسم حالة الطاقة الكهربائية التي تحيط بالقلب أثناء نبضه، كانت سترسم «صورة» ما، لا تلك الخطوط المتعرجة، التي تظهر صحة القلب، سألت الطبيب: هل صادفت حالة مشابهة؟ هل ارتسمت على لوحة التخطيط صورة من يسكن القلب؟
ضحك من الأعماق، واتهمني بأنني شاعر ورومانسي اكثر من اللازم، طبعا لم تحصل، ولن تحصل، إلا في مخيلتكم أنتم الكتاب، لكن الحالة راقت للطبيب، وبدأ يتخيل إمكان حصولها، بل اقترح على أحد الرسامين من معارفي، أن يرسم لوحة، أو فيلما كارتونيا متحركا صغيرا، يتمثل الفكرة الطريفة، وكيف سيكون –مثلا- رد فعل المريض المفترض، ومن يرافقه، كزوجته مثلا، حينما تظهر على لوحة التخطيط صورة أخرى (أو صور كثيرة، من يدري!) غير صورتها، وما الأحداث التي يمكن أن تحصل، فيما لو تم مثل هذا الأمر!
عند هذا الحد من الخيال الجامح، حمدت الله تعالى أن جعل السرائر وما تخفي القلوب، سرا من اسرار الخلق، لا يعلمها إلا هو جلت قدرته، ولو تسنى للبشر أن يطلوا في قلوب بعضهم البعض، عبر تلك الآلات اللعينة، لتفجرّ الكون منذ زمن بعيد، ولم نصل أصلا إلى الوقت الذي نناقش فيه هذا الحال المفترض!
-3-
عملية تخطيط القلب، التي جاءت ضمن فحوص طبية اعتيادية، بسبب الوقوف على أبواب الستين، انتهت على خير، ولكن النقاشات التي تلتها مع الأصدقاء، على صفحات الفيسبوك وتويتر، فتحت عيوننا على كم كبير من المعلومات التي تخفيها قلوبنا، وما يمكن أن يحصل لو كُشف الغطاء عنها، وهو أمر يعني ضمن ما يعنيه، أننا نعيش حياتين –على الأقل- حياة معلنة مليئة بالدجل أو قل المجاملات و»الدهلزة» والأقنعة، وحياة أخرى سرية، نحتفظ بمفاتيحها بعيدا عن الأعين، والسعيد المرتاح من تكون له حياة واحدة، ظاهره كباطنه، وهؤلاء فئة قليلة، إن وُجدوا أصلا في دنيا البشر، لأن مثل هذا الصنف أقرب لطبيعة الملائكة!
خارج النص:
يقول الروائي الإيطالي إمبرتو إيكو: أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء!
الدستور