لن يختلف اثنان على أهداف الخطة الخمسية التي أقرتها الحكومة، لأن جميع ما جاء فيها يصب في هدف الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة، وتحقيق التنمية الحقيقية، والتخفيف من المشكلة الاقتصادية التي تؤرق صانع القرار.
وليس سرا القول إن التحدي الاقتصادي وتبعاته يشكل التهديد الأكبر للأردن؛ حاضره ومستقبله، ما يتطلب برنامجا وطنيا للإصلاح يعالج كثيرا من الاختلالات التي أجّلت الحكومات المتعاقبة العمل على الحد منها.
الخطة حددت أهدافا جامعة، فعنوانها العريض تحسين مستوى معيشة المواطن وتحقيق التوازن التنموي، وتوزيع عوائد التنمية بعدالة على مناطق المملكة كافة، ومنح كل محافظة نصيبها من التنمية وعائدها.
ومن أهدافها المتفق عليها زيادة حجم الطبقة الوسطى والمحافظة عليها، كما تمكين الشباب في جميع المجالات لتطوير وتعزيز إمكانياته وقدراته وآفاقه، وزيادة الإنتاجية، كما يحضر أيضا تمكين المرأة وزيادة مساهمتها في سوق العمل لتفعيل مشاركتها الاقتصادية.
بعيدا عن الأهداف التنموية، تزخر الخطة بأهداف رقمية، إذ تركز على المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي وضبط عجز الموازنة العامة والدين العام ضمن المستويات الآمنة، وتعزيز وتحفيز بيئة الأعمال والاستثمار وزيادة تنافسيتها، وتعظيم الفرص الاستثمارية.
الخطة تعترف بدور القطاع الخاص في تحقيق التنمية، وهي التي خرجت بعد مداولات ماراثونية بين القطاعين، فتراها تركز على أهمية دور القطاع الخاص كمحرك رئيس في عملية التنمية الشاملة والمستدامة لتحقيق النمو وتوفير فرص العمل.
المهم ليس تحديد الأهداف، فمثل هذه العناوين تكررت في مختلف الخطط والاستراتيجيات التي وضعتها الحكومات منذ سبعينيات القرن الماضي. نظرة سريعة إلى عدد من الخطط والبرامج ستكشف ذلك، ما يعني أن التحدي الأكبر ليس وضع الخطة والتوافق حولها، بل تنفيذها.
التطبيق يحتاج إلى التعلم من دروس الماضي، والوقوف على الأسباب التي قادت إلى فشل تنفيذ عديد خطط وبرامج، وأهمها غياب روح الفريق الذي يعني غياب التنسيق والعمل المشترك، فطالما لم يؤمن كل وزير بأنه لاعب مهم في التنفيذ، ومكمل لعمل زميله، فأغلب الظن أننا سنقع في أجواء من المناكفات والاختلاف التي تعيق التنفيذ في النهاية.
الشواهد التاريخية على أجواء التنافس التي سادت بين وزراء حكومات كثيرة، وكانت سببا رئيسا في الفشل، لأن تطبيق ما جاء في خطة حكومة الملقي بخصوص السياسة المالية والسياسة النقدية والاستثمارية، وسهولة ممارسة الأعمال، إضافة إلى الإصلاح القضائي يصبح مهمة مستحيلة في غياب التنسيق الكامل بين الحكومة بكل أعضائها، وبين السلطتين؛ التنفيذية والتشريعية.
بالنظر إلى تفاصيل الخطة الخمسية، فإن بالإمكان توصيفها ببرنامج الإصلاح الوطني الذي تأخر كثيرا، إذ بقي التخفيف من المشاكل معتمدا على برامج صندوق النقد الدولي التي تسقط عملية التنمية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية من معادلتها، لذلك فإن تنفيذ هذه الخطة يصبح مسؤولية وطنية، لأن التأخير في العمل داخليا تقصير له تأثيراته السلبية على المزاج العام، وبيئة مواتية لتنامي معدلات الفقر والبطالة، والتطرف والعنف.
من هنا يبدو العمل كبيرا جدا، وإنجازه يحتاج إلى سيادة قانون ومؤسسات، وعمل فريق، وتغيير عقلية، وتكسير بيروقراطية، طالما أعاقت العمل و"طفّشت" المستثمرين، وأبقت الحلول مؤجلة.
تحقيق نصف الأهداف المدرجة في الخطة، فقط، كفيل ببناء الأمل، فما بالنا بنجاحها في بلوغ جميع الأهداف المبتغاة. عندها سنتيقن أنه أصبحت لدينا برامج وطنية حقيقية يتم وضعها لتطبيقها، لا مجرد برامج من أجل ذر الرماد في العيون، وحقن المسكّن في جسد المواطن، بدلا من إعطائه الدواء.
الغد