لم نعتد على اعتذار المسؤولين كثيراً، الحدث يظل نادراً، والمسؤولية الأخلاقية للرجل الأول في أي مؤسسة، تظل كذلك أندر،خاصة في حال كانت الأخطاء في الميدان وبعيدة عن المركز، لأن الاجراءات اللاحقة عادة ما تكون عقابية وليست تقيمية علاجية أوتستهدف تعديل السلوك، فنقل الموظف هذا، أو انذار ذاك، غالباً ما تكون نهاية المطاف.
أول أمس صدر عن وزير الخارجية ايمن الصفدي اعتذار عن سوء تقديم الخدمات في السفارات وتراجعها،علماً أن المواطن في الغربة والذي يدفع رسوما طائلة على كل معاملة، يتحمل أيضاً كلفة الوقت المهدور، والصفدي الذي لا بدّ أن اعتذاره سبقه معلومات مؤكدة لديه عن تأخر بعض المعاملات، وضعف الخدمات في السفارات، فهو يعي جيداً ظروف الموظفين العاملين في السفارات من حيث أحوالهم ودخلهم المتدني وبخاصة الإداريين.
هناك معادلة في السفارات غير عادلة، قلة عدد، وقلة دخل، إذ تختلف رواتب الموظفيين المعينيين من السفارة أو الوازرة عن زملائهم الدبلوماسيّين، وفي زيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي للدوحة والتي سبقت القمة العربية في شهر آذار، كان لديه ساعة ونصف الساعة قبل وقت العودة لعمان، فأصر على زيارة السفارة، واستمع لمطالب الموظفين وظروفهم، لم يعدهم بالتغيير، لكنه وعد بالدارسة، وكانت أول زيارة لوزير خارجية للسفارة منذ أكثر من سبع أعوام.
برغم ازدياد عدد الجاليات الأردنية في دول الخليج، إلا أن موظفي السفارات ذوي خلق ومروءة، لكن ظرفهم وبخاصة الإداريون، غير مريحة، وأحيانا يكون هناك ضغط في حال شغر موقع السفير، ويحدث ضغط كبير على نائب السفير أو القنصل، واحيانا طبيعة البلد واتساع مساحتها مثلا كالسعودية يحدث فيها صعوبة في انجاز المعاملات.
أمر آخر يعرفه معالي وزير الخارجية، حين نسافر لمؤتمرات مهمة وسيكون هناك مشاركون، تجد مندوبا من السفارات لبعض الدول يحضر لا لكي يرحب بالمدعوين، لأن هذا امر لا يمكن حصره وتغطيته، بل ليتابع ويحضر ويكتب تقريرا لوزارته ولبلده.
نحن في الأردن سفراؤنا لا يستقبلون إلا الفنانين وفرق الرياضة، وفي حالات نادرة يحدث اهتمام بحسب مستوى العلاقات الشخصية، مع أن الاستثناء ووجود أكفاء يظل ممكناً.
هنا اسرد قصة، أنني عندما عينت مديرا لمكتبة الجامعة الأردني عام 2011، وجدت أن هناك رسائل تأتي باستمرار من سفيرنا بالمغرب مرفقا بها مجلات ووقائع ندوات ومؤتمرات علمية، وموقعة باسم السفير آنذاك فيصل الشوبكي ويقول برسائلة أنه حضر المؤتمر الفلاني والندوة الفلانية ويرى أهمية ايداع أوراقها في مكتبة الجامعة الأردنية.سألت: هل تأتي رسائل مشابهة من أي سفارة؟ كان الجواب بالنفي؟؟
اليوم لدينا سفراء وسفارات بمستويات متعددة من الأداء، والتعميم لا يكون عادلاً بالمدح أو الذم، وهناك نواب سفراء وطواقم جيدون، لكن هناك غيابا أحيانا لفهم دور السفير، وهناك عدم قدرة على نسج العلاقات وقلة الحضور في المنتديات، أو توظيف المناسبات الوطنية.
تخيلوا أن سفارتنا في الدوحة قبل فترة السفير المحترم زاهي الصمادي التي انقضت مدته، كانت لعامين متتالين، لم تقم حفل استقبال بعيد الاستقلال، وهو اليوم الوطني الذي يعد افضل مناسبة لأي سفير لكي تظهر حِشمة بلده ومزياها، وفي كل بلد يوجد رجال أعمال أردنيون نشامى لا يقصرون، لكن المهم الوصول إليهم.
يحدثُ في السفارات كثير الاحترام للمواطن، ويحدث أحيانا الازدراء والاهمال. يحدث العطاء والبذل، ويحدث النوم والغفلة. لكن اعتذار الصفدي الذي أبلى بلاءً دبلوماسياً حسناً مُذ تولى موقعه، جاء في ظل ما سمع وما ورد إليه بالـتأكيد، وهو عازم على العمل والتجديد وهو يستحق الاحترام.
Mohannad974@yahoo.com
الدستور