العنف الاجتماعي في الأردن
د. عمر مقدادي
09-05-2017 01:24 PM
تعدّ ظاهرة العنف من الظواهر القديمة في المجتمعات والدول، وقد ظهر العنف منذ وجود آدم عليه السلام، وابنيه هابيل وقابيل على الأرض؛ حيث قتل قابيلُ أخاه هابيل حسدًا وظلمًا، وقد تعددت أشكال العنف وأهدافه مع تطور الحاجات والمجتمعات ، ولكنه مما يثير الأسى والحزن في نفوسنا ما يشهده المجتمع الأردني وخاصة في الآونة الأخيرة من زيادة في بعض الحوادث وجرائم العنف المجتمعي ، التي تفضي إلى مشاجرات فردية وجماعية بين عائلات وعشائر ومناطق في مواقع مختلفة من وطننا العزيز، مما يتطلب منا جميعًا تسليط الضوء على هذه الظاهرة ودراستها من قبل المتخصصين والمراقبين ، من حيث الأسباب والدوافع والدلالات والنتائج والآثار، ومدى خطورتها، ومدى الانتشار والتكرار، ومدى اعتبارها ظاهرة اجتماعية ، وهل تشكل مؤشرًا على تحول المجتمع الأردني إلى مجتمع يتسم أفراده بالعنف أو أنه أصبح أقل أمنًا ، وهل تدلّ هذه الحوادث على أن المجتمع أصبح يشهد ظواهر خطيرة تهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي .
إن المراقب لهذه الظواهر في المجتمع الأردني يلاحظ انتشارها في بعض المناطق على شكل فزعات انتقاميّة أو ثأرية سريعة من قبل أفراد أو مجموعات للحصول على حقوق فردية أو جماعية، أو تجيرها فئة معينة لمصالحها ، أو يمكن عدّها فزعة اجتماعية مرتبطة بروابط الدم أو العشائرية أو الفئوية، وهذه الظاهرة تعتبر غريبة عن مجتمعنا الأردني وثقافتنا التي تستند إلى الدين الإسلامي الوسطي وتقبل الآخر والقيم السمحة، بعيدًا عن التعصب والعنف، وثمة مجموعة من الأسباب تقف خلف هذا السلوك بحيث يكون أحدها أو اكثر هو المسبب لحدوثها والمؤشر على تكرارها في المجتمع:
1 - ضعف الوازع الديني.
2- ضعف التربية المدنية.
3- ضعف منظومة القيم لدى بعض الأفراد مثل: قيم الحوار وتقبل الآخر والمسؤولية.
4- ضعف التشريعات وتطبيقها العادل والحازم.
5- التعصب وضعف المواطنة وتغليب المصالح الضيقة على مصالح الوطن العليا.
6- النزعة لدى البعض في العبثيّة والاستهتار وحب الفوضى.
7- غياب لغة العقل والحكمة والتفكير المستقل.
8- عدم تقبل المجتمع للتحوّلات والتغيرات الاجتماعية التي تفرضها طبيعة الحياة العصرية.
9- ضعف الانتماء واحترام دولة القانون.
10- ضعف فاعلية مؤسسات وعناصر الضبط الاجتماعي.
11- تزايد ظاهرة البطالة وأعداد العاطلين عن العمل من الشباب.
12- انتشار بعض مظاهر الفساد مثل الواسطة والمحسوبية وغياب العدالة وتكافؤ الفرص.
وعليه يمكن القول إن أسباب العنف المجتمعي في الأردن تتمحور في أسباب اقتصادية وثقافية، واجتماعية، وتشريعية، ففي الجانب الاقتصادي يوجد ارتباط لهذه الظاهرة مع تداعيات الأزمة المالية العالمية وما أحدثته من خلل في مستوى معيشة الأفراد والأسر في المجتمع، والبطالة بين صفوف الشباب، خاصة أنه مجتمع غالبيته العظمى من الشباب، وضعف الأطر الاقتصادية لاستيعابهم في سوق العمل، وضعف الوعي لدى الشباب وخلط في المفاهيم الأساسية مثل: الكرامة والبطولة والديمقراطية والحقوق المدنية وغيرها، مما يؤثر سلبًا في فكر الشباب الأردني وسلوكهم، كما أن وجود الأردن في منطقة غير مستقرة سياسيًا، وتعاظم الهزائم القومية والبطالة ومشاعر الاحباط لدى الشباب، وكثرة مشاهد العنف والقتل والدمار التي يشاهدها في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، كل ذلك يؤثر في زيادة العنف المجتمعي، كما أن المجتمع الأردني ما زال في المرحلة الانتقالية كونه مجتمعًا قبليًا يعتمد على العشائرية، فالمجتمع لم يتخَل عن العشائرية التي لم تعد تقوم بكافة أدوارها الإيجابية لتفضي إلى الصلح بين الأطراف، ولم يتقبل بعد كافة قواعد المجتمع المدني والاحتكام للقانون وعلى العكس تقدم العشيرة الحصانة للمتسببين لهذا العنف في بعض الحالات، كما أن تغير منظومة القيم والأخلاق لدى الأفرد في الحياة العصرية والعادات في المجتمعات المحافظة ومنها المجتمع الأردني، وعدم وجود القانون الحازم وتطبيقه في كثير من الأحيان يؤدي إلى تنامي ظاهرة العنف المجتمعي.
إن أبرز ما كشفته حوادث العنف المجتمعي ومنها العنف الطلابي في المدارس والجامعات والملاعب الرياضية والاعتداء على المعلمين والأطباء وموظفي الحكومة في الأردن مؤخرًا هو ضرورة تأهيل أفراد المجتمع للانتقال إلى المجتمع المدني والاحتكام إلى سلطة القانون، فالدولة الأردنية هي دولة قانون ومؤسسات، مع أهمية تفعيل العادات العشائرية الحميدة التي "تحقن دماء الأبرياء وتوقف موجات الثأر والجلوة العشائرية وتنظمها وفق منطق عصري، وعدم تقبل فزعة قبلية وجهوية سلبية، وضرورة احترام هيبة العشيرة كيانًا مؤسسيًا واجتماعيًا يدعم احترام الآخر ويحافظ على الحقوق الشخصية والمدنية، ويحترم العادات والتقاليد الاجتماعية التي تنبذ الفوضى أو العبث بالممتلكات العامة والخاصة، وينبذ الواسطة كوسيلة اجتماعية أو استخدام العشائرية وسيلة لتبرئة المخطئين أو العابثين بأمننا الاجتماعي أو المجرمين أحيانًا، وضرورة إيقاع القصاص العادل والسريع على كل من يستحق بحزم، لتحقيق العدل وحماية المجتمع من المجرمين والمخالفين للقانون ومفتعلي الفوضى الاجتماعية ومثيري النعرات الفئوية والجهوية والقبلية، وعليه فإننا نعتقد بأهمية معالجة العنف الاجتماعي وفق المحاور الآتية:
أولاً – المحور الثقافي:
ضرورة الاهتمام ببرامج التعليم والتعليم العالي والبرامج الإعلامية و والتوعية والإرشاد لشرائح المجتمع كافة، بحيث تتضمن تعزيز التربية القانونية والتربية الوطنية وتعلم مهارات الحياة والعلاقات والاتصال ومهارات الحياة العصرية وغيرها من المفاهيم والمهارات في الحوار وفض النزاعات وحل المشكلات، واحترام الآخر، واحترام الاختلاف، وتفعيل دور التربية الوطنية والمدنية والتنشئة الاجتماعية في مناهجنا التربوية والأكاديمية في المدارس والجامعات الأردنية من أجل احترام الدستور والقانون، وتقديم الدعم لكل المبادرات المتعلقة بالعنف المجتمعي، وتحفيز الشباب للمشاركة في الفعاليات والنشاطات والأعمال التطوعية، وتعزيز الثقة لديهم بمؤسسات الوطن الأمنية والقضائية.
ثانيًا– المحور الاجتماعي :
تخطيط وإنجاز إطار تشاركي تسهم فيه الحكومة وجميع الأطراف ذات العلاقة، لبناء خطة استراتيجية وطنية واضحة المعالم لمراجعة نظامنا الاجتماعي والعقد الاجتماعي الأردني وفق رؤية عصرية مدنية للوقوف ودعم المناسب فيه وكشف مواطن الضعف ومعالجته، وضمان تنفيذ مراحل وإجراءات هذه الخطة بتنسيق وتكامل .
ثالثًا – المحور الاقتصادي:
إعادة النظر في مجمل النشاط الاقتصادي والمشاريع التنموية وبرامج التمويل ونظام التشغيل وبرامج تشجيع الاستثمار وتنظيم سوق العمل والأجور ، لتحسين الإنتاج ودفع عجلة الاقتصاد في المجالات كافة وخلق فرص عمل حقيقية للشباب والحد من البطالة وتسهيل انخراطهم في بناء الوطن ومؤسساته الاقتصادية والاجتماعية.
رابعًا – المحور التشريعي:
تطوير التشريعات المتعلقة بالعقوبات بما يضمن العدالة والتسريع في إيقاع العقوبة على الجاني أو الجناة في قضايا العنف المجتمعي، وخاصة في القضايا ذات الطابع العشائري من مثل: جرائم القتل العمد وقضايا الشرف، بكل عدالة وبلا استثناء لشخص أو فئة، وإظهار العقوبة في وسائل الإعلام لتكون درسًا للغير وتأكيدًا على سيادة القانون وهيبة الدولة.
وفي الختام لا بد من التأكيد على أهمية المحافظة على الدولة الأردنية المستقرة وعنصر الآمن فيها، الذي نفاخر به وبكل منجزاتنا الوطنية ومؤسساتنا وتشريعاتنا التي رعاها الهاشميون ولا ندع الفرصة لعابث بأن يولّد بؤراً للفتنة أو يمسّ بأمننا الوطني.
حمى الله الأردن وشعبه الوفي .