رغم المبادرات الجليلة لمن اضربوا عن الطعام تضامنا مع الاسرى الفلسطينيين، الا ان ذلك يبقى في نطاق اضعف الايمان، والمطلوب عربيا وانسانيا هو الصوم عن الخداع والازدواجية، لأن هناك من هم مع الرب والقيصر ومع الاسير والسجّان، واخيرا مع الملاك والشيطان .
كان اضراب الاسرى الفلسطينيين على هذا النحو الجماعي الذي قدم اطروحة وطنية مضادة للانقسام في الطبقة السياسية اختبارا لما تبقى على قيد الادمية والوطن والهوية من منسوب الانتماء، ومن لا يهز كيانه حدث جسيم وجلل كهذا فهو بالتأكيد مات منذ زمن ولم يدفن، لهذا تسبقه رائحته اينما ذهب .
قبل عقود كانت هناك احداث اقل من هذا الحدث من حيث دراميتها، تصيبنا من الماء الى الماء بالقشعريرة، ونعبر ما استطعنا عن ردود افعال منها ما احدث تغييرات جذرية في واقعنا العربي الآسن، والذي استنقع بعد ان تم تدجين تياره او كما قال الراحل خليل حاوي، بعد ان تم تفسيح مياه البحر وعبئت في زجاجات وقِرب !
انها مفارقة نادرا ما تحدث في التاريخ، تلك التي تجعل امة كلما زاد متعلموها ومستخدمو منجزات التكنولوجيا فيها ضعفت ارادتها واصابها الشلل، فهل انتهت ثقافة العولمة تبعا لمعجم ما بعد الحداثة وما بعد الوطنية والهوية الى تدجين الشعوب بحيث تعيش بالخبز وحده ؟
اعرف ان الوخز بالسكين وليس بالقلم لا يوقظ من مات سريريا، لكن الصمت تواطؤ، والشياطين الخُرس هي وحدها التي ترى ما نرى ثم تبتلع السنتها وتلوذ بالصمت المتواطىء المُريب !
كم من الخيال نحتاج كي نضع انفسنا مكان هؤلاء في زنازينهم، او مكان ابائهم وابنائهم وامهاتهم؛ لندرك كم نحن انانيون ونرجسيون ومن حقنا ان نشك بكل ما كتبه داروين عن اصل الانسان، فالارجح انه تطور عن ضبع وليس عن قرد، لأن للقردة مزايا واحساسا بذوي القربى !
الدستور