ماذا يريد الصحفيون من مجلس نقابتهم الجديد ؟.
اعرف ان الاجابة كانت مطروحة على مدى الايام الماضية التي شهدنا فيها السباق الانتخابي، وربما قبل ذلك ايضا، لكن لابد ان نشير الى مسألتين لتوضيح الصورة، الاولى تتعلق بما تمتلكه النقابة من امكانيات مادية يمكن من خلالها ان تقدم “ خدمة “ مقبولة تليق بالصحفين، وهذه – بالطبع – تحتاج الى ادوات جديدة، نترك الحديث عنها “ لخبراء “ الاقتصاد، علما بان تحسين احوال الصحفين وتقديم الخدمات لهم يشكل اولوية ضرورية في هذا الوقت بالذات حيث يعانون من اوضاع معيشية صعبة .
اما المسألة الاخرى فتتعلق بما يفترض ان تمتلكه “ النقابة “ من سلطة معنوية واخلاقية مؤثرة في المجال العام، وهذه “ السلطة “ يمكن استخدامها وتوظيفها في سياق مهني لخدمة قيم الدولة والمجتمع اولا، ولخدمة المنتسبين اليها ثانيا، سواء من جهة اعادة “ترسيم “ العلاقة بين النقابة ومؤسسات الدولة والمجتمع على اساس من الثقة والاحترام، او من جهة اعادة الاعتبار “ للمهنة “ ومؤسساتها وحمايتها من الخطر الذي يهددهما .
ما اردته - هنا - هو ان لدى النقابة التي هي “ بيت للصحفيين “ امكانيات مادية ومعنوية يمكن ( هل اقول يجب ) ان تستثمرها في مجال اعادة الحيوية للمجال الصحفي، والاستثمار هنا اشبه ما يكون بعملية جراحية عاجلة لان الوقت لم يعد يسمح بانتظار المزيد من “ الازمات “، فقد وصلت المهنة الى حافة النهاية، لدرجة اننا لن نتفاجأ اذا سمعنا اخبارا عن اغلاق بعض مؤسساتنا الصحفية، ما لم تنهض النقابة بواجبها باسرع وقت .
اذا سألت اغلبية الصحفين اليوم عما يريدونه من نقابتهم، ستجد امامك اكثر من عنوان، لكنها تصب في تجاه هدف واحد وهو استعادة هيبة النقابة وفاعليتها ودورها، وهذا الهدف الكبير لا يكمن ان يتحقق الا اذا نجحت النقابة بانقاذ المهنة ومؤسساتها، حيث تشكل هذه المؤسسات التي يعمل بها مئات الصحفيين “ عصب “ النقابة وقوتها، ومتى تعرضت لا سمح لاي خطر فان النقابة ستتحول الى مقر للصحفيين العاطلين عن العمل .
يمكن بالطبع ان نستطرد في الاشارة الى عناوين اصلاح النقابة وانقاذ المهنة، سواء فيما يتعلق باستقلالية الصحافة وحرياتها في مواجهة مأزق التشريعات الناظمة، او فيما يتعلق باعادة الثقة التي تراجعت بين الصحافة والدولة والمجتمع، واعادة الاعتبار للضمير الصحفي الذي يجب ان يكون ناطقا باسم الناس، ويقظا في مراقبة الاداء العام .
لكن يبقى الاهم، وهو الدفاع عن حق الصحفيين في الحياة الكريمة، ذلك انه من المؤسف ان ابناء المهنة الذين انصبت جهودهم لانتزاع حرياتهم فيما مضى اصبحت اولويتهم اليوم البحث عن رواتب اخر الشهر بعد ان تعرضت مؤسساتهم لضوائق مالية خانقة، وهذا يفرض على النقابة ان تتحرك للحفاظ على كرامة اعضائها، وتوفير ابسط متطلبات الحياة لهم .
هذه العناوين وغيرها تحتاج الى نقاش عام، داخل الاطار الصحفي لتحديد الاولويات والاليات، والتوافق على المسارات، فالمجلس مهما توفرت لديه الادارة والكفاءة، لن يستطيع ان ينهض بهذه المسوؤلية مالم يتعاون معه الجسد الصحفي، او على الاقل هؤلاء الذين صوتوا في اتجاه التغير، وبالتالي فان المطلوب من المجلس الجديد ان يبدا على الفور بفتح ابواب النقابة امام ابنائها للمساهمة معا في رفع “ حجر “ المهنة، فلا تغيير بدون شراكة وتوافق وارادة الجميع، ولا امل بمستقبل جديد يليق بالصحافة دون ايمان حقيقي بشرف المهنة وفهم عميق لمشكلاتها واصرار على خوض معاركها دفاعا عن وجودها وحدودها معا .
اعرف انها مهمة صعبة وشاقة، وربما تكون طويلة، لكن لابد ان يبدأ المجلس الجديد بالخطوة الاولى ولا يجوز ان يعتذر عنها لاي سبب، لان اعتذاره او انسحابه سيعني ولادة خيبة امل جديدة، ربما تكون اخر الخيبات .
الدستور