مبادرة تضميد الجراح العربى
أحمد عبده طرابيك
07-05-2017 03:41 PM
يعيش وطننا العربى العزيز فترة قاسية، تعد من أكثر فترات تاريخه قسوة ومرارة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، حيث تنزف الدماء العربية فى مختلف أنحاء الوطن العربى، سواء من خلال الاقتتال العربى - العربى، والحروب الأهلية المشتعلة فى أكثر من قطر، أو من خلال التدخلات الخارجية فى شئون الدول العربية من أقصى الشرق حيث العراق الجريح المهدد بالتقسيم، إلى أقصى الغرب حيث الجرح الليبى المؤلم، ومن أقصى الشمال حيث الحرب الأهلية السوية التى أصبحت مسرحاً للصراع بين القوى الدولية والإقليمية لتجريب أسلحتهم وتصفية حساباتهم على حساب الشعب السورى المشتت فى دول العالم، إلى أقصى الجنوب حيث الصومال والأزمة اليمينية الذى حولته إلى أتعس بلدان العالم، يضاف إلى ذلك مشكلات الإرهاب الذى يضرب بالعديد من الدول العربية فى مقدمتهم مصر وتونس والجزائر والبحرين وغيرها، إلى جانب قضايا الفقر والمرض والتخلف عن ركب الدول المتقدمة، وضياع قوة التأثير العربى لدرجة أصبحت فيه القضايا العربية المصيرية يتم بحثها على موائد التفاوض فى العواصم الغربية بعيداً عن العرب أصحاب القضايا أنفسهم. هذه الأوضاع السيئة والظروف الصعبة التى تمر بها الدول العربية ما كان لها أن تصل إلى هذا المستوى لولا الحالة المؤسفة التى يشهدها وطننا العربى من حالة التفكك والتباعد وغياب الوحدة بين أقطاره، وانعدام التعاون العمل والتنسيق العربى بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدنى، فحالة الانقسام المزمنة التى أصابت الدول العربية هى السبب الوحيد فى هذه الأحوال السيئة التى تجنى ثمارها المرة الشعوب العربية التى ما كان لها أن تحيا مثل هذه الظروف، خاصة مع ما تملكه أوطانهم من مقومات وموارد طبيعية وبشرية، فتحولت تلك الثروات والموارد إلى نقمة من خلال الأطماع الإقليمية والدولية فيها، بدلاً من أن تكون نعمة، ووسيلة لتقدم ورقى وازدهار شعوبنا العربية العزيزة.
لم يعد أمام الأمة العربية من سبيل للخروج من تلك الأزمات الطاحنة التى تهدد مستقبل ومصير عالمنا ووطننا العربى سوى الوحدة بين الحكومات والدول والشعوب العربية باعتبارها الحل الوحيد لمواجهة التحديات الهائلة التى تعصف بالأمة، فتسوية الخلافات العربية - العربية، ووضع حد لحالة الاشتباك والصراع بين الدول العربية وبعضها البعض، والاتفاق على أن ما يهدد قطر عربى هو تهديد لجميع الأقطار العربية، وأن تدخل الأطراف الإقليمية والدولية لحل المشكلات العربية ما هو إلا زيادة فى حجم المشكلات وبث سموم الفرقة بين الدول العربية وبعضها البعض، لتحقيق أهداف ومصالح تلك القوى الخارجية، التى سعت بكل ما تملك لتفتيت الأمة من أجل السيطرة عليها دولة بعد الأخرى لنهب ثرواتها وتدمير بنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجعلها دولا هشة غير قادرة على تحقيق الأمن لها والأمان لشعوبها، وهذا ما تحقق فى العديد من الدول العربية بداية من الصومال وصولاً إلى آخر دولة عربية مروراً بالعراق وسوريا وليبيا واليمن.
يتزامن مع تلك المصالحات وتنقية الأجواء العربية، تصفية الخلافات مع القوى الإقليمية، خاصة إيران حيث تحول الخلاف السياسى معها إلى خلاف مذهبى بفضل التدخل الخارجى الذى لا يريد للدول العربية والإسلامية أى خير، وإنما يسعى دائما إلى نشر بذور الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة، لكى يسهل له السيطرة عليها ونهب ثرواتها وخيراتها وقتل وتشريد شعوبها، فإيران التى استطاعت أن تتفاوض مع الدول الغربية حول ملف برنامجها النووى، يمكن الحوار معها بهدف الوصول لحلول تعمل على إشاعة السلام والاستقرار فى المنطقة، وتوفير المناخ الملائم للتنمية والازدهار لجميع شعوب المنطقة، ورفع الظلم عن شعوبها وإنهاء احتلال أراضيها، وعودة اللاجئين إلى أوطانهم وديارهم. زار مصر الأسبوع الماضى السيد عمار الحكيم القيادى الشيعى ورئيس «كتلة المواطن» فى مجلس النواب العراقى، والتقى الرئيس عبدالفتاح السيسى، والعديد من القيادات والشخصيات المصرية منهم وزير الخارجية سامح شكري، والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقد كانت لتلك الزيارة أهمية خاصة من جانبين:
الجانب الأول: زيارة السيد عمار الحكيم إلى الأزهر الشريف واللقاء مع شيخه وعلمائه، والقول بأن الأخطار التى تواجهها الأمة العربية من تطرف وإرهاب تتطلب مراجعات من الأزهر الشريف، باعتباره أهم المرجعيات السنية، والنجف باعتبارها أهم المرجعيات الشيعية، وذلك من خلال عقد لقاء بين أئمتهما وعلمائهما لينشرا الاعتدال والفكر الإسلامى الوسطى المعتدل، حيث وصف الأزهر الشريف بأنه مدرسة الاعتدال والوسطية والتوازن فى العالم الإسلامى.
الجانب الثاني: الإعلان عن مبادرة عراقية لعقد اجتماع إقليمى يضم كلاً من: مصر والعراق وإيران وتركيا والسعودية، من أجل تسوية الخلافات العالقة فيما بينها، والعمل المشترك لحل مشكلات وأزمات المنطقة عبر الحوار والتفاوض.
مصر رغم ما تعانيه من مشكلات اقتصادية، وصراع مع الإرهاب، فإنها تظل هى الدولة العربية الوحيدة القادرة بما تملكه من مقومات تاريخية وحضارية وبشرية على القيام بدور القيادة فى جمع وحدة الصف العربي، وتسوية الخلافات العربية - العربية، وهى القادرة أيضا على تنمية المبادرة التى طرحها السيد عمار الحكيم بشأن تسوية الخلافات بين القوى الإقليمية، فباستطاعة مصر التواصل بين إيران والمملكة العربية السعودية والقيام بدور الوسيط بينهما من أجل وضع حد لما تشهده المنطقة من توتر وصراع إقليمى لا يستفيد منه سوى أعداء الأمة.
لم تعد الدعوة إلى الاصطفاف العربى ترفاً أمام القادة والشعوب العربية، بل أصبح ضرورة ملحة لمواجهة التحديات المصيرية التى تواجه جميع الدول العربية بلا استثناء، فالخطر محدق بالجميع، ومن يظن أنه بعيدًا عنه فهو واهم، ويمكن لجامعة الدول العربية القيام بدور مهم فى هذين الأمرين، الشأن العربى - العربى، والشأن العربى - الإقليمى، فلها مكانتها كبيت للعرب جميعاً، وما تملكه من خبرات وكوادر دبلوماسية تستطيع من خلالها التحرك وإقناع القادة العرب بأهمية الاصطفاف والوحدة، يضاف إلى دور الجامعة العربية مثقفو الأمة وأبناؤها الوطنيون ومؤسسات المجتمع العربى، وفى هذا الشأن لا بد من الإشارة إلى مبادرة الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة برئاسة المهندس سمير حباشنة، تحت عنوان «النداء العربى»، فقد آن للأمة العربية النهوض من كبوتها وتسخير قدراتها ومواردها للبناء والتنمية والتقدم والازدهار.
صحيفة روز اليوسف