في بلادنا، لا يمر أسبوع على الأردنيين بدون أن يسمعوا عن مشاجرة تستخدم فيها الاسلحة النارية. ولا تخلو اخبار الصحف والمواقع ولا سجلات المراكز الامنية وغرف الطوارئ من وجود قيود لإصابات ناجمة عن حوادث اعتداءات مباشرة او طلقات طائشة. الحوادث التي يجري تناقلها والقصص التي يرويها الناس عن كيفية وقوع الحوادث وسقوط الضحايا وخسارة الاحبة تتضمن مشاهد مشبعة بالخوف والقلق والغضب والدموع.
كما انها مقرونة بعشرات الأسئلة التي تدور حول مبررات السماح للبعض بحمل السلاح واقتناء هذا الكم من المسدسات والبنادق داخل الاحياء السكنية المكتظة وفي مجتمع تنص فيه التشريعات على عدم جواز استخدام القوة لغير الدولة التي من حقها احتكار استخدامها من اجل إنفاذ القوانين وحماية الارواح والاعراض والممتلكات.
العديد من مناسبات الافراح تحولت الى مآتم وأتراح بسبب إصرار البعض على التعبير عن الفرح بإطلاق النار دون مراعاة لما يولده هذا السلوك من خوف وقلق وازعاج وتهديد لغيرهم من المشاركين والمجاورين. في تاريخ أحيائنا وقرانا وبلداتنا هناك العشرات من الاشخاص الذين فقدوا حياتهم او اصيبوا بعاهات دائمة بسبب طلقات طائشة.
مواقف واتجاهات الرأي العام الاردني من الاسلحة النارية واستخدامها موضوع يولّد الكثير من الحيرة والاستغراب، فما إن يبدأ أحد احتجاجه على سماع اصوات اطلاق النار في المناسبات حتى يتداعى الجميع الى استنكار هذا الفعل وإدانته، لكن الادانة اللفظية للبعض قد لا ترتبط بالتزام صاحبها بأن لا يطلق النار في المناسبات والافراح. منذ عقود تداعى الاردنيون عشرات المرات لاجتماعات من اجل إدانة استخدام الاسلحة النارية في المناسبات واصدروا وثائق وبيانات وقع عليها شيوخ وأعيان ورجال دين، إلا ان البعض عاود ممارسة هذه العادة قبل ان يجف الحبر الذي كتبت به اداناتهم.
ظاهرة التناقض بين الاقوال والافعال دفعت بالمخيال الشعبي الاردني لتأليف نكتة تختزل الحالة وتعبر عنها. تقول النكتة الاردنية ان مجموعة من الشيوخ والوجهاء والشخصيات اجتمعوا ليقرروا وثيقة تدين استخدام الاسلحة النارية في الافراح والمناسبات والمدن وتعتبر من يقوم بذلك خارجا على الاعراف والعادات والتقاليد، وما ان اكملوا صياغة الوثيقة وتوقيعها وبادر أحدهم بتلاوة نصها حتى استل الحاضرون مسدساتهم وبنادقهم وباشروا بإطلاق النار احتفالا بنجاح اجتماعهم.
تتباين الأرقام التقديرية لأعداد الاسلحة النارية التي يملكها الافراد ونوعياتها وتوزيعها. الكثير من التقديرات تضع الرقم فوق المليون قطعة سلاح. غالبية الاسلحة التي يملكها ويحملها الافراد مسدسات وبنادق اوتوماتيكية. البعض يملك رشاشات خفيفة وبنادق صيد متنوعة المنشأ.
رغم وجود قانون يحدد الحالات التي يمكن السماح فيها للافراد باقتناء الاسلحة والاوضاع والشروط التي قد تمكن الفرد من حمل السلاح الا ان تطبيق هذا القانون ليس بالمستوى الذي نطمح جميعا له، فالكثير ممن يقتنون الاسلحة لا يلتفتون لما يقوله القانون والبعض يحمل السلاح ليلا ونهارا بدون مبالاة لما يمكن ان يترتب على مثل هذا السلوك من نتائج.
بعيدا عن كل ما تقوله الصحافة والمنتديات والارقام الرسمية ما يزال الناس يقبلون على شراء الاسلحة وهناك من يقبل على اقتنائها وحملها واستخدامها دون أي اعتبار للقانون أو لتأثير ذلك على شعور من حوله.
بدون تبني سياسة واضحة وإجراءات عادلة وحازمة سيبقى انتشار واستخدام السلاح أحد أهم التهديدات التي تواجه أمننا الداخلي وتولّد في نفوسنا الكثير من مشاعر الخوف والقلق والغضب.
الغد