إن مجمل الهموم والقضايا التربوية تجعلنا نقف وقفة جادة تمكننا من دراسة الواقع التربوي الحالي وصولا لاتخاذ القرارات التي تدفعنا إلى مواجهة أعباء المستقبل بكل همة ومسؤولية ، فكلما تسلم وزير للتربية والتعليم استبشرنا خيرا بما يمكن أن يخطه قلمه من قرارات جريئة وشجاعة وما تحمله جعبته من محدثات ما يحقق الطموح المنشود ، فما وصلنا إليه من تراكمات وما تبعها من إرهاصات وما لحقها من قرارات ساقنا إلى وضع مشحون بالأزمات والمشكلات لينعكس سلباً بالمطلق على واقع المسار التعليمي التربوي والاجتماعي والتنموي والاقتصادي ، فالقضايا التعليمية التربوية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمختلف الجوانب الاجتماعية والتنموية والاقتصادية والحياتية ، ما يؤدي في النتيجة إلى مخرجات سالبة وهادمة ، فالعالم يتطور في تسارع كبير علمياً وتقنياً وتكنولوجياً ونحن ما زلنا نراوح مكاننا ، نبحث عن اطار مؤسسي في العمل برؤى تنويرية بامتلاك الادارة الفعالة التي تحقق الأهداف المرجوة ، خاصة في وزارة بحجم وزارة التربية والتعليم .
إننا نأمل باستمرار العمل على دراسة الظروف والمؤثرات والتطلع للمستقبل وفحص الاحتمالات بما يصل إلى تقدير سليم للمواقف وصولا إلى اتخاذ القرارات التربوية الصائبة لانتهاج سياسة تربوية إصلاحية قائمة على التخطيط الاستراتيجي املآ في تحديث منظومة التعليم وتطوير بنائها المؤسسي والتوسع في تطبيق اللامركزية لتنفيذ خطة إستراتيجية قادرة على التعاطي مع المقتضيات التربوية المهمة التي يفرضها الواقع التربوي بحشد الطاقات والإمكانات لإنجاز الأهداف الواضحة التي يجب ان تتحقق من خلالها النهضة التعليمية المرجوة ، وإفساح المجال أمام الكوادر التربوية المؤهلة المبدعة المعطاءة المتحلية بالخبرات التربوية والتي لها باع طويل في مجال التعليم ، إضافة إلى تشخيص القيادات ضعيفة الأداء التي أقحمت نفسها في شؤون التعليم بالواسطة والمحسوبية ، ليستقيم المسار ، ويتم إصلاح الإدارات المسؤولة عن تدهور وتدني المستوى التعليمي في بعض جوانبه ، والا ستبقى العديد من السلبيات المتراكمة جاثمة على صدر العملية التعليمية ، وستبقى دار ابن لقمان على حالها ، ليبقى القديم على قدمه وتبقى السياسة التربوية بين الفوضوية والمزاجية ، وعشوائية القرارات والارتجالية ، ونبقى رهن المجاملات وإبراز الذات ، لتضيع الكفاءات والمؤهلات ، وليبقى البعض مختبئا في جلد نمر ، بالاستقواء والولاءات الضيقة ، والنظرة المصلحية المقيتة..
إننا بحاجة ماسة إلى رسم السياسات التربوية المرتبطة بحاجاتنا ، والمستندة إلى التراكم المعرفي المتجدد إضافة إلى التطبيق الفعلي لتلك السياسات التي تضمن أثرا ايجابياً لمجمل احتياجاتنا التربوية ، والمبنية على التخطيط الاستراتيجي الفعال المواكب لروح العصر ومعطياته المتجددة ، مما يساهم في تسريع النمو والتقدم سعيا لتحقيق تعلم نوعي متميز للجميع ، إضافة للتوظيف الفعال لتكنولوجيا التعليم والمعلومات والاتصالات ، وفي مجال المناهج والحوسبة والقوى البشرية المتمرسة القادرة على الإبداع والعطاء ، والمعدة إعداداً علمياً وتربوياً جيداً مع ضرورة الخضوع المستمر للتحديث والتطوير والمتابعة والمراقبة ، وهذا يتطلب إيجاد هيئات أكاديمية متخصصة إضافة إلى استحداث البرامج والمناهج التدريبية المتطورة بالاستناد إلى تجارب الدول المتقدمة التي تقوم على تأهيل المعلمين أثناء الخدمة بشكل يمكنهم من أداء رسالتهم ما يحقق الأهداف ، فنحن بحاجة ماسة لكوادر علمية تربوية مبدعة قادرة على العطاء العلمي الإبداعي لنحفزها وندعمها ونأخذ بيدها إلى الأمام ..
لقد سئمنا يا معالي الوزير الحديث عن حاجتنا الماسة إلى تحديث وتطوير منظومة التعليم ، وتحديد أهدافها الآنية والمستقبلية ، وفلسفتها المستمدة من عقيدتنا وقيمنا ، وضبط توجهاتها ومساراتها التعليمية التربوية لتواكب متطلبات واحتياجات التنمية وأهدافها المستقبلية ، والعمل على تحديث الأنظمة والقوانين التعليمية المتعلقة بالتشكيلات والتعينات القيادية في مؤسسة التربية والتعليم ، بعيدا عن النظرة إلى المنابت أو الجذور بشريطة الكفاءة والمؤهل والخبرة والاقدمية والنزاهة والسجل الوظيفي والانجاز والقدرة على العطاء والإبداع والابتكار.. ذلك إذا كنا بالفعل ننشد التحديث والتطوير والارتقاء بالعملية التعليمية التربوية إلى الأمام..
وأخيرا فقد هرمنا يا معالي الوزير ونحن نطمح إلى إصلاح حقيقي عبر سنوات خدمتنا الطويلة ، مع إخلاص النوايا، وصفاء السرائر والضمائر، فنحن نعلم علم اليقين أن المسؤولية جسيمة ، والمهام عظيمة ، والظروف التي نمر بها تحتاج إلى عزيمة فولاذية ، وإرادة صلبة ، وقرارات رشيدة لمعالجة الاختلالات والمعيقات المتعلقة بمجمل القضايا التربوية ، ولا يأتي ذلك إلا بمعالجة الوضع التربوي وانتشاله إلى برّ الأمان ، لتطبيق أجندة إصلاحية كاملة بالوقت والزمان الكافيين واستقصاء أثرها على المدى البعيد .