منذ مدة ابتعدت عن الكتابة في هذا الموضوع لكن الوثيقة التي أعلنتها حماس تدفعني لنقاش نقطة واحدة فيها لأن مناقشة الوثيقة يحتاج إلى مساحات كبيرة.
ان المشروع العربي الذي تبنته قمة بيروت لا يزال موجودا" على الطاولة العربية للسلام مع ان اسرائيل لم تتحرك باتجاهه ولا ملليمتر واحد ، وقد علت أصوات معارضة للسلام تدعو القادة العرب لسحب المشروع الا ان القادة لم يفعلوا لأنهم ليس لديهم بديل !! ولنتذكر أن هذا المشروع قد تبنته القمة في ظروف مختلفة كليا" قبل حصول الزلازل والدمار في الجسم العربي المنهك !!
كما أننا مدعوون للتذكر بأن منظمة التحرير الفلسطينية وبخاصة حركة فتح كانت لا ترى الا الكفاح المسلح سبيلا" وأن فلسطين هي الأرض الواقعة ما بين النهر والبحر وأن التفريط بذرة هو خيانة لا يمكن قبولها . ولكن لما حصل ما حصل في العراق وعلى أثر ذلك جاء مؤتمر مدريد صرنا بحاجة إلى مظلة لدخول الفلسطيني للمؤتمر فكان الأردن هو الموفر للمظلة ونتج عن ذلك اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية وسئل حينها الراحل عرفات عن ميثاق المنظمة ما مصيره ؟؟ فقال: كاودك أي ملغى.
واليوم تحدثنا حماس (بعد ثلاثين سنة من قيامها وفي ظروف غاية في الصعوبة حيث الجسم العربي أشلاء ودمار ) عن دولة في الضفة والقطاع فهل يمكن ان يكون هذا بدون ثمن ؟ هل يأتي هذا مع بقاء أصوات حماس التي كانت تتردد بقيادة إسماعيل هنية والجماهير تردد خلفه( لن نعترف بإسرائيل ) ؟؟ كيف يمكن أن تقبل اسرائيل ومن معها من الشرق والغرب أن يعطوا الضفة وغزة لدولة قد تقودها حماس دون مقابل ؟ ما الذي تهددهم به حماس ؟ هل لديها القاهر والظافر ؟؟ هل اسرائيل في حالة يرثى لها أم نحن ؟؟ هل الدول العربية تتعامل مع السلام بالمنطق الذي تتحدث عنه حماس وهو تنازل الصهاينة عن الضفة والقطاع مع احتفاظها بالحق في أرض 48 ؟؟؟ أبهذه السهولة نتخيل الأمر أم أن الأمر إعلان عن القبول بالتفاوض كمبدأ ؟ وهل حماس أو غيرها قادر على إخراج الصهاينة من الضفة كما يحلوا البعض تصوير الانسحاب الإسرائيلي من القطاع ؟؟ اذا كانوا قادرين ولا يفعلون فماذا يمكن ان نسمي ذلك ؟!! . لا يمكن ان نقبل بقول نصف الحقيقة ، فكل تفاوضات العالم والتاريخ والمستقبل تتحدث عن تنازل الأطراف للالتقاء في منتصف الطريق في أحسن الأحوال. أما في الشأن الفلسطيني فربما الى ربع او خمس المسافة ولصالح اسرائيل لأن الحقيقة الماثلة التي لا يمكن تناسيها تظهر من خلال الانقسام الفلسطيني الذي تتولى شأنه حماس وفتح ، كما تظهر من الضعف العربي الذي لا يمكن ان يفكر بفلسطين لأنه جسم مريض لن يتعافى الا اذا شاء الله . ولن ننسى ان الطرف الآخر يعيش ذروة مجده بدعم كل دول العالم دون استثناء ، فهل هذه الظروف ستلد لنا قوة املاء على الآخر أم ان الآخر هو الذي سيملي علينا ؟؟ بكل صراحة لن يقبل من حماس تمسحها بالسلام والسياسة ما لم تقدم التنازلات التي قدمتها فتح والمنظمة وبعد ذلك لتنتظر رد السلام خلف الأبواب الموصدة أمام المبادرة العربية وامام تنازلات المنظمة.
والتنازل المطلوب من حماس بشكل محدد هو الاعتراف بإسرائيل وبغير ذلك لا يمكن ضمها إلى نادي السلام المدريدي فلتختر حماس بين درب المنظمة ودرب المقاومة فهما دربان لا يلتقيان في الوقت الحاضر على الأقل.