اتفاق «المناطق الأربع» المفخخة
عريب الرنتاوي
06-05-2017 02:10 AM
إن سارت الأمور على ما يرام، فإن من المقرر للمدافع أن تصمت في مناطق “تخفيف التصعيد” الأربع التي حددها اتفاق أستانا، اعتباراً من منتصف الليلة الفائتة ... المناطق هي: إدلب ومحيطها في ريفي اللاذقية وحماة، شمال حمص، الغوطة الشرقية باستثناء حي القابون، ومحافظتا درعا والقنيطرة ... القتال على هذه المحاور، قد تتراجع حدته اعتباراً من اليوم (وقد لا تتراجع)، لكن تثبيت الهدوء على هذه الجبهات، ونشر المراقبين و”قوات الفصل” وتحديد المعابر والممرات الامنة لحركة المواطنين والمساعدات، سيحتاج لعدة أسابيع إضافية، هذا بافتراض أحسن السيناريوهات.
الغموض ما زال يحيط بهذا الاتفاق، ويغلف مواقف مختلف الأطراف منه، بمن فيها تلك التي وقعته أو أعلنت عن ترحيب كامل أو حذر ما تمخضت عن النسخة الرابعة من مفاوضات استانا ... أول الأسئلة التي يثيرها الاتفاق ذاك المتعلق بموقف المعارضات المسلحة، المصنفة معتدلة منها، بمن فيها تلك التي شاركت في محادثات أستانا الأخيرة ... والتي قاطعت أعمال اليوم الأول للمؤتمر، وغادرت جلسته الختامية بحركة استعراضية صاخبة، متعهدة بعدم الالتزام بالاتفاق لا الآن ولا في المستقبل.
ثاني هذه الأسئلة، يتعلق بالأطراف الضامنة لها، واشنطن وعشرات الفصائل المسلحة، ومن خلفها الرياض والدوحة، لا ترحب بدور إيراني في سوريا، من أي نوع، والأرجح أن هذا سيشكل عقبة مهمة عند التنفيذ ... في المقابل، لا تبدو دمشق وحلفاؤها، وإلى حد كبير طهران، في موقع الترحيب الفعلي بالضامن التركي، الذي ينظر إليه بوصفه جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل.
وزارة الدفاع الروسية كشفت عن قبول مشروط لـ 27 فصيلاً بالاتفاق ... لكن ماذا عن بقية الفصائل، والأهم ماذا عن مواقف الدول الراعية والداعمة لهذه الفصائل ... موسكو تعوّل على دور تركي في تذليل عقبة استنكاف المعارضة المسلحة، وتبدي استعدادا للتعاون مع الرياض لإنجاز هذه المهمة، والرياض رحبت بدورها بتحفظ بالاتفاق ... قطر لا يؤتى على ذكرها، لكأنها خارج “رادارات أستانا”، مع أن لها تأثيرا على بعض الفصائل ... الأردن، الذي يحتفظ بتأثير واضح في منطقة واحدة على الأقل من المناطق الأربع، يبدو أنه ليس بعيداً عن هذه التفاهمات، وقد أجرى محادثات عسكرية مع الجانب الروسي في عمان، وسياسية في موسكو، في أثناء زيارة الوزير أيمن الصفدي الأخيرة إليها.
فيض الأسئلة والتساؤلات، لا يقف عند هذا الحد، ذلك أن اتفاق المناطق الأربع، شدد على أهمية الاستمرار بمحاربة النصرة وداعش، بل وتدعيم الأطراف التي تحاربها وتقديم المساعدة لها، سواء أكان النظام أم المعارضة ... لكن سؤال الفصل بين المعارضات من جهة والتنظيمات الإرهابية، هو “سؤال المليون دولار”، الذي طرح قبل أكثر من عامين، وما يزال عالقاً من دون جواب، ولا ندري كيف لمثل هذا الفصل أن يحدث، خصوصاً في مناطق التداخل والتشابك الكثيف والمعقد بين المسلحين، وهو تداخل يتخطى الجغرافيا إلى الإيديولوجيا والتحالفات الميدانية والبيئات الحاضنة.
لا مشكلة في عزل داعش وفرزها والنأي بالنفس عنها، فهي “مستقلة”جغرافياً وغير موجودة عملياً إلا في منطقة واحدة من هذه المناطق الأربع: المنطقة الجنوبية، ممثلة بجيش خالد بن الوليد ... ولكن ماذا عن إدلب، أهم معقل للنصرة، وماذا عن الغوطة الشرقية، التي أظهرت النصرة وحليفها فيلق الرحمن، قدرتهما على مقارعة جيش الإسلام واستعادة كل ما سيطر عليه من مواقع وبلدات في حرب الأسبوع الأخير بين “الإخوة الأعداء” ... ماذا عن شمال حمص ومحيط القنيطرة – درعا، حيث للنصرة نفوذ لا يستهان فيه.
سيكون بالإمكان “قلب الطاولة” على رؤوس الجميع، إن لم يتحقق الفصل الصعب أو المستحيل بين الإرهابيين من جهة والمسلحين من جهة ثانية ... وسيكون أمراً غير محمود، أن يفضي “تخفيف التصعيد” إلى تمكين النصرة من الإفلات بسيطرتها على “ملاذات آمنة” تحت ظلال اتفاق أستانا ... سيكون بمقدور أي طرف، محلي أو إقليمي، أن يزعم أن ضرب أهداف للنصرة، هو انتهاك للقرار، طالما أن أي هجوم على مواقعها، برياً كان أم جوياً، ستتطاير شظاياه لتصل إلى مواقع المسلحين الآخرين، وتجربة التهدئات والهدنات الأخيرة في سوريا، حافلة بقصص من هذا النوع.
ثم، ماذا عن شرق سوريا وشمالها الشرقي، الاتفاق لم يأت على ذكر هذه المناطق، لكأن هناك تسليم أو “اتفاق من تحت الطاولة” بأن هذه المنطقة هي منطقة نفوذ للقوات الأمريكية وحلفائها من وحدات الحماية وقوات سوريا الديمقراطية ... هنا لا مناطق آمنة، بل أن وزارة الدفاع الروسية تحدثت عن إمكانية قيام الجيش السوري وحلفائه بتنفيذ عمليات ضد داعش، وداعش تنتشر في هذه المناطق، لا نعرف عن أي مناطق يتحدثون، وهل سيتم ذلك بالتنسيق مع واشنطن، ام في سباق معه، أو في مواجهته؟
اتفاق أستانا، تطور هام في الأزمة السورية، تنفيذه سيعني قطع أكثر من نصف الطريق نحو إنهاء الحرب الدائرة في سوريا كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمناطق الأربع التي تضمنها الاتفاق هي عملياً جميع جبهات القتال ومحاوره الرئيسة، لكنه اتفاق مفخخ بالمواقف والمصالح المتناقضة، لقوى عديدة محلية وإقليمية ودولية، وهو مفخخ أيضاً بتعقيدات الميدان وتشابكاته، ولذلك فإن التفاؤل الحذر، هو أقصى ما يمكن أن يستقبل به اتفاقٌ من هذا النوع.
الدستور