حكومتك البيضاء ليومك الأسود
01-12-2008 03:26 AM
وهل هناك سواد أكثر من حياة البعض هذه الأيام التي احدودب فيها ظهور الرجال ، وجفت أثداء النساء ، وانفلتت أطواق الأولاد ، فسرح من سرح في مصائر المواطنين ، وأكل على مائدتنا من أكل حد التخمة ، وتركنا جياع لا نلوي على شيء .. فأصبحت غالبية الشعب أشبه ما يكونون كمحاسب الصندوق في البنك ، يعد الملايين من العملات بيديه ، ولا يملك أجرة منزله ، يرون الثراء عند القلة ، ولا يملكون سوى " القلة " !
وبين نمط من أنماط الفقر الناخر ، ونمط آخر من أنماط البطر الفاخر ، تقبع فئات ليس لها من الحصاد سوى قليل من " التبن " إن أطعمت ، تطعم رواحلها ، علها توصلها لمبتغاها ، ولكن الخوف ان تموت الراحلة جراء التعب والهزال ، ولا يصل هذا الفئوي المواطن الى غايته ومبتغاه ، ليس لأنه أبن ثلاثة أشهر فقط ، بل لأن هناك خيوط سرطان قد أخيطت بها أثواب المؤسسات ، وهذا الخيط يجب ان يـُنسلّ من هذا الثوب سريعا ، وان يعاد تحديد البوصلة وإعادة التوقيت الوطني ، لتضبط ساعات الفالتين والمنضبطين على توقيت عمان ، مع عدم مراعاة فوارق التوقيت في محافظات ومدن ومؤسسات ووزارات المملكة الأردنية الهاشمية .
الأردن ، مملكة واحدة ، وملكه واحد ، وله رئيس وزراء واحد ومجلس نواب " أواحد " ، وفيه كثير من المسؤولين ، وقد اقتربت ساعة التعبئة الجديدة لقطار الحكومة ليبقى القطار على ذات السكة التي نحبها ، فالمحطة المقبلة وهي قريبة جدا ، يجب أن يتم تفريغ الأحمال الزائدة في قطارها ، وإعادة العربات المستأجرة الى مصدرها ، وتحديثها بعربات من صنع محلي عالية الولاء ، وان لا يتم الغمز واللمز من وجهتها وغاياتها ، فحسن الظن طالعها ، إلا إن ظهر عكس ذلك ، فحينها لا قدر الله سيكون الحديث من طراز خاص يناسب الكارثة .
كثير من الناس يتطلعون الى حكومتهم على إنها المخلّص لكثير من المصائب التي حلت عليهم ، جرّاء الإجراءات والتجاوزات والمحاصصة والإهمال التي نتجت عن بيروقراطية حكومتين سابقتين على الأقل ، إضافة الى براغماتية ومكائد عدد من المسؤولين الحاليين الذين ارتبطوا بالمدرسة الرأسمالية الراحلة .
لذلك فهم ينتظرون من الرئاسة المخلّصة ان تمسح عن جباههم عرق الجهاد الذي قاموا به ضد ظروفهم ، و وان تنظف كل ما يتعلق بالمرحلة السابقة ، فهناك هيئات ومؤسسات مستقلة وتابعة لا تزال تتفرد بالعمل المزاجي وتتجاوز المرجعيات في كل ما تقوم به ، ومنها من هو ليس خدمي فجعلت من موارد الدولة صوادر لجيب المسؤول العام ، وأظهرت الأزمة المالية العالمية الأخيرة إن أولئك المسؤولين لا يفهمون بالاقتصاد ولا بالإدارات المالية ولا بتوظيف الظروف والمناخات المناسبة والتي مرت على البلد خلال فترة مضت .
بل إن عددا من أولئك قاموا بمحاربة الجهة الرسمية التي تتولى تشجيع وتنشيط واستقطاب والترويج للاستثمار الصحيح في البلد والمتمثل بمؤسسة تشجيع الاستثمار التي سجلت إنجازات خلال الفترة السابقة ، والتي نرى ونحن خارج المربع إن " شلة المستفيدين " من "موارد الدولة" والمستثمرين فيها والمرتبطين بالشركات العائلية التي تقوم بالاستثمار وتلزيم المشاريع في أراضي الدولة ومشاريعها للمحاسيب والشركات المتوالدة ، تلك الشلة قامت وتقوم برمي العصي وسط دواليب المؤسسات الرسمية التي تنافسها ، مع ملاحظة ان المؤسسات الرسمية كتشجيع الاستثمار والترويج له والترويج وتنشيط السياحة والضمان الاجتماعي وعدد من المؤسسات ليس لها سلطة على الموارد العامة مباشرة ، بل يجتهد مسؤولوها بالعمل العام ، وهذا ما يزعج أصحاب المسؤولية الخاصة والحسابات الخاصة ، والترتيبات السحرية الكاذبة والمكذبة للعين ، ويجعلهم "يحوصون ويلوصون " عند سماعهم أي خبر في غير صالحهم ، معتمدين على منابر مصلحية تروج لهم ، وتجتهد في تجميل بشاعتهم .
الحكومة مطلوب منها الإسراع في تنفيذ ما وعدت به من إصلاحات ، ودعم للمواطنين ، وخاصة الطبقة الفقيرة والمتوسطة والتي أصبحت غالبية في المجتمع ، فالشتاء فوق رؤوسنا والأعياد على الأبواب تكاد تطرق فقرنا ، والكاز يا حكومتنا الرشيدة أغلى من بنزين أوكتان 90 الذي يشغل السيارات الفاخرة التي يركبها الأغنياء ، على الرغم من عدم تمكن ملايين الناس من شراء جالون واحد ليستخدمه في صوبة الكاز التي تدفىء أطفالهم وتسخن خبزهم وتغلي إبريق شايهم ، وهذا كله ، لا يعرفه كثير من مسؤولي الدولة الذين نبتوا كالشوك في حياتنا ، لأنهم لم يتلوثوا بشحبار الكاز يوما ما ، ولم " تدك " نسائهم أو تنكش رأس " بابور" الكاز .
نتمنى أن لا ترحل الحكومات وتبقى الأماني أحلام ، محض أحلام .. ونحن نعلم إن الحكومات لا تملك الكثير لإنهاء أزمات ومشاكل الوطن والشعب ، فالأرث الهرِم نخره المرض ، ولا نلوم الطبيب الذي أعيته صعوبة المهمة .. لأن من سبق لم يؤسس لمن لحق ، بل أصبحنا أشبه ما نكون كمهمات العمليات الخاصة في الغرب الجاسوسي ، تنظف ما وسخته وكالات الدولة هناك .
لست متفائلا بنوعية التغيير الذي سيجري قريبا ، مثلما أصابنا جميعا الإحباط بتوقف عجلة التصحيح في أذرع الدولة وخاصة المؤسسات المستقلة التي لا تلقي بالا لحسيب أو رقيب ولا يخضع بعضها الى محاسبة ديوان المحاسبة ، ولكن لا يزال يحدونا الأمل الكبير بأن ما يجري في الخفاء لإدارة عمليات تنظيف الفساد ورش مزروعات المفسدين بالمبيدات المفسدية لا يزال على قدم وساق .
ولأن الحكومة البيضاء يعول عليها في الأيام السوداء ، فالأمل كبير في رئاسة الحكومة أن تجبر عثرة هؤلاء البشر الذين لا ذنب لهم سوى إنهم يحبون بلدهم ، يبحثون عن سترة الحال في زمن فاضح ، ولقمة العيال بين شلل المصالح والحصص الأسرية والتبادلية .
عيد قادم ، والفرح متجهم ، والشتاء قارص ، وبعض مسؤولينا ناكصون ، يقيمون لقاءاتهم في المطاعم التي لا يستطيع ابن الكرك لفظ اسمها ، وفنادق يغشى على ابن الرمثا ان مر حولها ، ويتم التوقيع فوق لائحة طعام لا يستسيغها فم مالح أمضى عقودا تحت السلاح عسكريا ، جاف اليدين عاملا ، أصلع الرأس جراء شد شعره انتظار الفرح الذي بات سرابا يلهث وراءه ملايين المواطنين ، وحفنة من أكابر القوم يتجشأون كافيار الراحة والدعة .
لقد بتنا وبات من يفكر في أحوال هذه القرية الكبيرة الطيبة كحال الطبيب في مستشفى الأمراض العقلية ، لا هو مجنون فيعذر ، ولا هو عاقل فينذر ، مجنون في زمن العقلاء أو عاقل في زمن المجانين ، والنتيجة .. لا شيء
Royal430@hotmail.com