حكاوي بنت/ تكافل ع الأصول
11-04-2007 03:00 AM
كان على ذلك الرجل المسكين والذي مر عفواً من هذه المنطقة السكنية المرفهة أن يتم صلاة العشاء قبل أن يستأنف مسيرة العودة إلى بيته الذي يبعد مسافة نصف ساعة من هنا.. فلقد اعتاد منذ الصغر أن يؤدي الصلاة ساعة الأذان.. وقبل أن يغرس قدميه في السجاد الفاخر ولأول مرة تملكته رهبة شديدة.. وإن هذه الرهبة أيقظت في نفسه إحساساً بضرورة الالتفات لأناقة ملابسه.. لكنه سرعان ماحدث نفسه بأنها مجرد دقائق وسيعود إلى حيث أتى فلا ضرورة إلى المبالغة..
وبالفعل انتهت الصلاة لكن دعوة الامام إلى درس ما بعد صلاة العشاء كانت أقوى منه فجلس ليستمع.. لكن رهبة المكان عادت لتتملكه فأخذ يستمع لحديث نفسه..
- آخ يابا يامنال لو تركي ظهرك على هالتدفئة..
كانت منال دائمة الشكوى من البرد.. ولما كانت المدفأة الوحيدة في المنزل من الصعب أن تحتكر لشخص واحد كانت تظهر الشابة ضجرها الدائم من البرد وتطلعت إلى أن تعمل في التطريز في وقت فراغها حتى تشتري ثياباً صوفية تمنحها الدفء فتستغني عن المدفأة.
وتفحص المكان الذي يغلق فوراً بعد انتهاء الصلاة فيمسي خالياً إلا من المصاحف والسجاد الفاخر والدفء..
- ياخسارة..
لكنه عاود نفسه مسرعاً واستغفر.. مش خسارة بالمصلين والصلاة.. لكنه وبسرعة عادت إلى مخيلته ملامح قريبة الذي لا يسكن بعيداً عن هذه المنطقة الراقية والذي قصده بمبلغ صغير ليفتح به كشكاً صغيراً إلى جانب وظيفته ليستعين به على متطلبات الحياة عندما أجابه بأنه عليه التزامات في الوقت الحالي فهو يبني مسجداً حتى يضمن آخرته.. ولمعت فكرة في بال الرجل لكنه خشي أن يحدث بها نفسه واكتفى بأن استغفر ولمعت على الجانب الآخر دمعة في عينيه.. ورفع نظره ليقول لربه " انت اللي بتعين" فارتطمت عينيه بثريا فخمة ثمنها قادر على أن يحل مشكلة اللحم الذي بدأ أولاده يشتاقونه.. والكاز الذي أصبح من الضروري أن تجرى حسابات دقيقة لاستبقاءه في البيت طيلة الشهر بعد موجة ارتفاع سعره وذلك بأن لا توقد المدفأة بشكل دائم طيلة اليوم..
وأحسن الامام عندما نهى الموعظة حتى يتضطر أخينا الذي لم تطاوعه نفسه في ترك هذا الدفء الساحر لأن ينهض من ويستغفر مرة اخرى وهو يحاول أن يخرج من دوامة أفكاره..
وعند خروجه من المسجد وقف بعيداً وتأمل جيداً الامام وهو يحسن قفل المسجد الفاخر.. وبعد أن أيقظته لسعات البرد من شروده لام نفسه كيف تمتع بقليل من الدفء بعيداً من أولاده الذين يتحلقون الآن حول المدفأة التي يكاد دفؤها يبين.. فاستيقظ من دوامة أفكاره على برد أحاط بنفسه وأشعره بالغربة فأخذ يمشي مسرعاً نحو بيته ليبكي في حضن زوجته وأبنائه.
hakaweebent@yahoo.com