التقيت سمو الأمير زيد بن رعد، في نيويورك، حين كان مندوبا للاردن في الأمم المتحدة، قبيل ساعات من افتتاح جلسة مجلس الامن المخصصة للملف السوري.
مجلس الامن ترأسه الأردن آنذاك لفترة محدودة، وكان الأردن عضوا فيه، والحقيقة ودون مجاملات، لا يحتاجها الأمير، كان شخصية دمثة، وراقية، ومؤهلة تأهيلا عاليا على المستوى السياسي والقانوني، ولطبيعة مهمته المرتبطة بتمثيل الأردن، بما يعنيه، من زاوية أردنيته، أولا، ثم طبيعة وظيفته، وأخيرا موقعه الاجتماعي بين الأردنيين.
عمل سمو الأمير، في البعثة الأردنية في نيويورك، استمر لفترة معينة، انتقل بعدها، مفوضا للامم المتحدة لحقوق الإنسان، وهذه وظيفة دولية، لها سماتها، وطبيعتها، وبرغم كونها وظيفة دولية، لها اشتراطاتها التي قد لا تتطابق، مع أي وظيفة تمثيلية أخرى، ترتبط بالأردن.
لكن المحرج في الوظائف الدولية، يتبدى في مناسبات كثيرة، وقد قرأنا لسمو الأمير تصريحات سابقة، حول قضايا معينة، بصفته الوظيفية اثارت ردود فعل مختلفة، مابين الرافضة او تلك التي شعرت بالحرج، لكونها تأتي من شخصية لها قيمتها الوازنة اردنيا وعربيا، الا انها الوظائف الدولية، التي تتطلب أحيانا، محو السمات والحسابات المرتبطة بثقافة أي شخصية في موقعها، فتتخذ هذه الشخصيات، مواقف قد لا تكون مقبولة، من بلدانها الاصلية، وغير متطابقة معها أساسا.
هذا ما شهدناه تحديدا في اثارة الأمير الأخيرة، التي اشتملت على التطرق الى الإجراءات الأمنية في مصر، بعد حادثة تفجير الكنيستين، وما حمله تصريح الأمير، بصفته الوظيفية، وليس الشخصية، من نقد للقاهرة، واعتبارها تجاوزت في الإجراءات التي اتخذتها بعد التفجيرين، واعتباره أيضا ان هذه الإجراءات تولد العنف، وتتسبب بتصنيعه.
والملاحظ هنا، ان الكلام يبرئ الإرهاب، ويمنحه مسببات، قد لا تكون هي المسببات الاصلية، وهذا سياق حساس جدا، دون ان نتناسى هنا، ان لا مناسبة ولا سياق من حيث التواقيت، او الاجتماعات، يبرر للامير نقده الموجه الى مصر، دون مراعاة لحسابات كثيرة، اقلها علاقة الأردن ومصر، ومنسوب التوتر المصري، من أي إشارة قد تصب في اتجاه تبرئة تيارات الكل يعرف استهدافها لمؤسسات الدولة المصرية، مثلما هو استهدافها لمؤسسات الدولة الأردنية، في ظل ثقافة التكفير، التي ترى في كل موظف عام، مجرد كافر تتوجب معاقبته، مثلما ترى ذات الامر، في كل موظف دولي، او دبلوماسي.
العلاقة بين الأردن ومصر، علاقة تاريخية، عميقة، تتجاوز المراحل، والتقلبات، والمصريون امامهم واقع صعب، اذا لم يكن مقدورا اعانتهم، فعلى الأقل، تركهم لاعادة ترتيب اوراقهم، ولا ننسى هنا، ان هناك معركة تخاض لتشويه سمعة مصر بكل الطرق، فتختلط المعلومات بالاشاعات، ولا يصح أساسا التعميم، مثلما قرأنا تصريحات الأمير.
ندرك ان وظيفته لا تمثل الأردن، ولا تمثل شخصه، بل لها معاييرها، لكن في نهاية المطاف، الظن بأن القدرة على التحرر من هذه الحسابات، مجرد وهم، خصوصا، ان السياق هنا، لم يكن دقيقا في تشخيصاته لما يجري في مصر.
هذه وظائف دولية مكلفة. هذا ما يمكن ان نقوله. فمن المستحيل ان نقنع الناس اليوم، ان الأمير ليس هاشميا، وليس اردنيا، وان وظيفته مفصولة تماما عن هذه السياقات، وكأن الخلاصة، تأخذنا الى ان هذه الوظائف لا تناسب الشخصيات الاعتبارية جراء الارتدادات التي تحدث في بعض الحالات، والتي تصر على الخلط بين هوية الشخصية، وطبيعة دورها الدولي.
لا يوجد دولة في الدنيا، لا تجد نفسها امام إجراءات صعبة، وهذه الإجراءات لا تولد الإرهاب والتطرف، ودليل ذلك ان هناك بيئات كانت مستقرة وآمنة وغنية وعادلة، فتولد فيها التطرف والإرهاب، جراء توفر المشجعات الفكرية، وارضيتها الخصبة، وليس جراء الشعور بالمظالم، مثلما توحي تصريحات الأمير.
تبقى العلاقة مع مصر، فوق كل اعتبار، وقد كنا لا نحب للامير هذه التصريحات، خصوصا، ان لا سياق يفرضها، بل جاءت في سياقات تطوعية، وتركت اثرا غير حميد، سوف تستوعبه البلدان، فما بينهما اكبر، كما ان تخصيص مصر، بهكذا تصريحات، امر مثير للاسئلة، ونحن نرى غيرها، فلا يتم التطرق اليه، لا في سياق تطوعي، ولا في سياق اجتماعات موسمية.
ثم ليدلنا الأمير عن الطرق «الأكثر أخلاقية» التي يمكن عبرها محاربة الإرهاب، اذا كان هذا الإرهاب ينبت في كل أنواع البيئات، من الفقيرة الى الغنية، مرورا بالبيئات القمعية، وتلك الديموقراطية؟!.الدستور