تحولت أميركا بقدرة قادر في الأسابيع القليلة الماضية، إلى مهوى أفئدة كثرة كاثرة في منطقتنا العربية، تضم خصوماً وحتى أعداء ألداء للإمبريالية.
تدلل على ذلك واقعتان، صودف أنهما وقعتا بالتتالي خلال فترة قصيرة:
الواقعة الأولى هي نشوب الأزمة المالية المحتدمة التي بدأت في بلاد العم سام، وانتشار شعاعها في بقية دول العالم: النامي والصاعد والمتطور، على حد سواء.
لم تثر هذه الأزمة مشاعر الشماتة، إلا لدى قلة قليلة ممن يمتد بهم العداء لأميركا الى العداء للدولار الأخضر. هؤلاء بدوا أكثر انسجاماً مع أنفسهم من غيرهم، من معشر المعادين لكل ما هو أميركي. أما الأكثرية المناوئة، فإما أنها التزمت الصمت حيال الأزمة المالية التي ضربت إمبراطورية الشر، وهو صمت بليغ في هذه الحالة، أو أبدت تطلعها لوضع حلول للأزمة ونأت تماماً عن إبداء مشاعر التشفي.
ما تفسير ذلك؟.
تفسيره أن كثرة من المناوئين وبينهم مؤسسات وهيئات لا مجرد أفراد، استيقظت على روابط وثيقة تربطها بالولايات المتحدة، هي أساساً روابط مالية: إيداع أموال، أسهم وسندات، ثم استثمارات متنوعة. وللولايات المتحدة أن تهزم شر هزيمة سياسياً وعسكرياً وفي كل مجال.. إلا في ميدان المال والاستثمار، فهنا يعم البلاء و«تصل ألسنة النار إلى ذقوننا».
ذلك ما يفسر أن مؤسسات مالية إسلامية بلا عدد، اعتصمت بالصمت، تاركة لبعض الجهاديين «الفقارى»، أن يمطروا أميركا باللعنات، وأن يجهروا بأن تنتهي الأزمة إلى زوال تلك البلاد بكل ما عليها ومن فيها.
أما القيادات والمدراء، فقد تحلوا بـ«المسؤولية»، و صدر عنهم عبر الفضائيات، ما يوحي بالأمل بانتهاء الأزمة على خير.
الواقعة الثانية التي تم فيها إبداء مشاعر إيجابية تجاه الولايات المتحدة، تمثلت بصعود باراك أوباما وما أثاره هذا التطور من ارتياح. لقد تم اكتشاف أن النظام الأميركي بكل سيئاته ومثالبه، يتيح لأحد «أحفاد العبيد» الوصول الى البيت الأبيض. ليس الرئيس المنتخب على شاكلة كونداليزا رايس ولا كولن باول، بل هو سليل تراث تحرري مناهض للعنصرية.
لم يسقطوه ولم يتلاعبوا بالنتائج ولا امتدت إليه يد الغدر، بل إن الشاب الصاعد من خارج بيئة النخب المتنفذة، شق طريقه بسلاسة واندفاع ليتبوأ رئاسة الدولة العظمى.
بهذا تم اكتشاف «أميركا أخرى»، والأصح تم إدراك وجه آخر للدولة التي تجتذب المهاجرين وبينهم ملايين المسلمين.
يفترض في ضوء هاتين الواقعتين، من المناوئين العقائديين للولايات المتحدة، إعادة النظر والوقوف وقفة موضوعية مع الذات: فلأميركا ألف وجه. ومن وجوهها السياسة الخارجية المريضة التي تتحالف مع الدولة العبرية وتدوس بذلك الأعراف والشرائع والسنن. ومن وجوهها الأخرى، التفوق العلمي والتقني واجتذاب من تضيق بهم بلادهم، والنظام الديمقراطي الراسخ.
علاوة على ذلك، فالبشرية تعيش وتمخر في مركب واحد يضم أميركا وأعداء أميركا، والدليل الأزمة المالية فيها، التي يتضرع أعداؤها أن تنجو منها حفظاً لمصالحهم وثرواتهم.
السجل.