اشتقاق مصطلح الثقافة في اللغتين العربية والانجليزية من جذر زراعي امر بالغ الدلالة، لأن للثقافة بذورها وجذورها وبالتالي مواسمها وعناقيدها.
وكما ان في الزراعة هناك ما يسمى القطفة الاولى فإن بالمقابل ما يسميه الفلاحون البعارة، وبعارة الثقافة هي التقاط ما تبعثر تحت الشجر او ما عفّ عنه الذين يجنون الثمر ومن قالوا العبارة الشهيرة من كل بستان زهرة او شوكة، تصلح مقولتهم تلك للتأويل الثقافي، فهناك مقالات يكتبها هواة ليست سوى بعارة، اي من كل مقال جملة، واول ما يلفت الانتباه الى هذه البعارة في مهنة الكتابة هو انعدام السياق او ما يسمى الفوكس، بحيث تبدو الكتابة اشبه بكائن خرافي مشوه له ذراع واحدة وعدة سيقان وعين واحدة وعدة انوف، ذلك لأن الثقافة ليست تراكم معلومات، فأي ارشيف او كمبيوتر يتكفل بذلك، والاهم من السؤال التقليدي لماذا نكتب هو كيف نكتب، وقد يسيء البعّار لقضية عادلة بحيث يجعلها ملتبسة ويحول الضحية الى جلاد او العكس، وقد يفقر موضوعا بالغ الحيوية والثراء بدلا من ان يغنيه ويغذيه بما تيسر له من موهبة وقدرة على الاداء !
ويبدو ان مهنة البعارة ازدهرت في عالمنا العربي خلال السنوات الاخيرة في السياسة والاقتصاد والثقافة ايضا، وهناك من يلتقطون عبارة من هنا واخرى من هناك بحيث تصبح الكتابة في نهاية المطاف اشبه بكيس الشحاذ وتختلط الكنافة بالبامياء والماء بالزيت !
ولم يحدث من قبل ان كان مثل هذا السطو مشروعا، لأن التقاليد التي كانت تحرس المهن على اختلافها انتهت وفقدان الذاكرة تحول الى زهايمر وبائي بحيث ينسى اهل الميت فقيدهم لمجرد ان ينفضوا الغبار عن احذيتهم بعد العودة من جنازته !! الدستور