الحرية لا تتجزأ .. يا نقيب المحامين
مالك نصراوين
30-11-2008 10:32 PM
قبل عام 1989 كانت الاحكام العرفية هي السائدة في الاردن ، بعد تجربة مريرة مع ديمقراطية يافعة في الخمسينات ، وكنتيجة لظروف سياسية سادت بعد هزيمة الخامس من حزيران عام 1967، الا ان ارتأى جلالة المغفور له الحسين بن طلال ، طيب الله ثراه ، ان تعود الديمقراطية الى الاردن ، لأن الظروف قد نضجت اكثر ، واصبحت ملائمة لهذه العودة ، وبذلك قلب القائد نظريات الفلاسفة الثوريين رأسا على عقب ، الذين كانوا يتغنون بمقولة " الحرية تؤخذ ولا تعطى " ، فقد اعطانا القائد الراحل هذه الميزة الديمقراطية ، واستبق الكثير من الدول في تبنيها .
لقد كان قرار اعادة الديمقراطية ، قرارا استثنائيا من قائد استثنائي ، وما كان لكل الاحزاب والنقابات ، التي تنطحت لهذا المطلب الوطني ، ان تحقق جزءا يسيرا من هذه الديمقراطية ، لانها لم تدرك ان حزب الملك ونقابة الملك ، هي الاقوى دائما ، وما يراه الملك يصوت له الشعب الاردني بدون استفتاء او انتخاب ، ومن ينكر هذه الحقيقة ، كمن ينكر وجود الشمس في كبد السماء ، وها هي بعض الاحزاب التي ظلت سنين طويلة تنادي بالديمقراطية ، اصبحت الان لا ديمقراطية بممارساتها ، الم تقم قائمة تلك الاحزاب ضد قانون الاحزاب الجديد ، عندما نص على ان يبقى نفس الشخص امينا عاما للحزب لأكثر من دورتين متتاليتين ، فاصبحت الاحزاب ملكية اكثر من الانظمة الملكية .
ثم جاء القائد المعزز ، عبدالله الثاني ابن الحسين ، ليعزز مسيرة الديمقراطية وحرية الكلمة ، وليمنح الصحافة ، بما فيها الصحافة الالكترونية ، حرية سقفها السماء ، وكان اخر تاكيد لتوجهات الملك ، ما جاء في لقائه الاخير مع رؤساء تحرير الصحف الاسبوعية قبل حوالي الاسبوعين ، استمرارا لمسيرة الديمقراطية ، لا نكوصا عنها .
قبل عام الديمقراطية 1989 ، وكما يعلم السيد نقيب المحامين ، الذي اكن له شخصيا كل الاحترام ، كما الكثيرون من الشعب الاردني ، لمواقفه النقابية والوطنية ، قبل ذلك العام كانت مقار النقابات المهنية هي مقرات غير رسمية للاحزاب والتنظيمات الممنوعة ، وكانت الحكومة تعلم ذلك وتغض النظر عنه ، فكان الامر مبررا ، وعندما جاءت الديمقراطية بالاحزاب ، كان من المنطق ان يتلاشى الدور السياسي للنقابات ، وان تتفرغ للمهنة ، دون التخلي عن الدور الوطني ، الذي يعنى بالشأن الوطني العام ، فارتفعت اصوات تنادي بذلك ، لكن الحكومة ، وحفاظا منها على مسيرة الديمقراطية ، وحتى لا تتهم بقمع النقابات والتآمر عليها ، لم تستجب لتلك الاصوات ، وها هي الكثير من النقابات ، اصبحت ملحقات لاحزاب ، واصبح القائمون عليها من لون واحد ، وتكال لها شتى الاتهامات بالفئوية والاقليمية ، وكان الاولى ان تضم قيادات النقابات شرائح اوسع من اصحاب التوجهات الوطنية ، فماذا كان رد النقابات على تلك الاتهامات ، الم يتهم المتهمون بانهم اعداء الديمقراطية ومرتبطون بجهات مشبوهة ؟
عندما توقف صحيفة حزبية عن الصدور لخرقها قانون المطبوعات والنشر ، تقوم الدنيا ولا تقعد ، مطالبة بالحرية الصحفية ، فكيف نطالب الان بقمعها ؟
لا اود التطرق لامثلة كثيرة ، على التناقض الصارخ للمطالبين بالديمقراطية ، عندما تمسهم هذه الديمقراطية ،فتصبح في نظرهم خطرا على الوطن والوحدة الوطنية ، وعندما تكون في صفهم ، فمرحى لها .
في الولايات المتحدة الامريكية ، التي اصبح رئيسها الجديد باراك حسين اوباما ، الافريقي المهاجر ، الذي جاءت عائلته من كينيا ، وهي من ابرز دول العالم الثالث معاناة من الثالوث غير المقدس ، ثالوث الجهل والفقر والمرض ، تابعنا جزءا يسيرا من الحملات الانتخابية ، وما شملته من تجريح واساءات ، فاحد الفنانين المشهورين ، وبحضور المرشح المنافس جون ماكين ، تظرق الى مشية الرئيس الجديد ونحافة ساقيه بطريقة غير لائقة ، اضافة الى حملات اخرى عنصرية كونه اسود البشرة ، ومن جذور اسلامية ، وسمعنا الكثير الكثير من الاتهامات ، التي لو وردت عندنا في حملاتنا الانتخابية ، لسالت الدماء الى الركب ، ومع ذلك لم نسمع ان هناك من طالب يقمع حرية الدعاية الانتخابية ، او من حذر من خطرها على الوحدة الوطنية والاقتصاد الوطني والاستثمارات ، بل ان هذه الحرية اصبحت مفخرة للولايات المتحدة ، وعاملا في زيادة عشاق الحياة فيها ، اما عندنا ، فان من يفتح فاهه لينتقد ادنى مسؤول فاحت رائحة الفساد من دائرته ، تنهال التهم الاقليمية لمناصريه ومعارضيه ، وتتبعها مناشدات بقمع الحرية تلافيا لمثل هذه الاتهامات ، الموجودة في مجتمعنا فعلا ، في البيت والمدرسة والمؤسسة والشارع ، فلماذا نحارب رائحتها في الصحف الاكترونية ، ولا نحارب جذورها في المجتمع ؟ لماذا لا نشير الى مؤسسات وشركات وبنوك وغيرها الكثير ، التي يمارس فيها هذا العيب الاجتماعي ، بحيث اصبح عنوانا مخفيا للتمييز الوظيفي ؟ ونركز على تعليق من مواطن قد يكون هو احد ضحايا هذا العيب الذي نعاني منه ، وليس سببا له ؟
ان كانت هذه الاثارات الاقليمية ، والتي الاحظها انا مع السيد نقيب المحامين ، وكما تعيشها فئات كبيرة من شعبنا منذ عشرات السنين ، لم تؤثر في وحدتنا الوطنية ، بفضل الوعي الذي يعيشه شعبنا ، وقدرته على التمييز بين الغث والسمين ، وبفضل قيادتنا الحكيمة وقوى شعبنا الطليعية ، فكيف ببعض عبارات شاذة في بعض المواقع الاكترونية تصبح مبررا للمطالبة بقمع الحرية الصحفية ، التي طالب بها رجال الصحافة طويلا ، وكثير من الغيورين على المصلحة الوطنية ، ومنحها القائد لشعبه ، واكد على دعم استمراريتها ، حتى يطاول سقفها السماء .
m_nasrawin@yahoo.com