مشهد المؤتمر الصحفي الأخير لرئيس المكتب السياسي لحماس قبل ان يودع منصبه وهو يعلن الوثيقة السياسية الجديدة لحركته يذكرنا بقياده منظمه التحرير وحركه فتح في نهاية الثمانينات يوم ان أعلنت استقلال فلسطين مع ان فلسطين مازالت حتى اليوم محتله، لكنه كان اعلانا عن تحول جذري في مسار المنظمة من خلال القبول لإقامة دوله فلسطينية على حدود الرابع من حزيران والقبول ضمنا بقرار 242 الذي يعني الاعتراف بحق اسرائيل بالوجود.
لكن قياده المنظمة في حينه نفت ان تكون قد تخلت عن مسارها التاريخي او انها تنازلت عن فلسطين التاريخية ،لكن الحقيقية ان ذلك الإعلان كان بحثا عن الشرعية لدى الدول الكبرى وايضا القبول من كيان الاحتلال ،وبعد عامين كانت المنظمة تشارك في مدريد ومؤتمرها وفِي عام 1993 كانت توقع اتفاق أوسلو، والبقيه معلومة.
حماس اليوم تقول انها تقبل بدوله فلسطينية على حدود عام 1967 وان هذا لا يعني الاعتراف بإسرائيل ،لكن خماس لم تقل كيف ستأتي هذه الدولة دون تفاوض وبخاصه انها تعلم ان الحرب ليست خيار احد ،وان القبول بدولة في ارض الضفة يعني التعامل مع كيان الاحتلال ،لكن حماس تقول ايضا انها ترفض التفاوض المباشر اي تقبل غير المباشر لكنها في النهاية تقبل فكره التفاوض.
العبارات المبهمة والغامضة والتي تقبل اكثر من تفسير هي اول الطريق الذي سلكته حركه فتح قبل ثلاثين عاما وتعيد إنتاجه حماس اليوم ،لكن المسار معلوم ،والغاية واضحه هي فتح الأبواب امام قبول العالم بحماس تماما مثلما فعلت منظمه التحرير التي سعت لاعتراف العالم وقبول اسرائيل بها وحصلت على ذلك لكن بعدما غيرت كل برنامجها السياسي وتخلت عن الكفاح المسلح.
وعلينا ان لا ننسى ان حماس اليوم جزء وتابع من محور إقليمي يضم تركيا وقطر وهما دولتان من اكثر الدول قربا لإسرائيل بعلاقات وتحالفات سريه وعلنيه ،وان التأثير على حماس دور وانجاز تريد الدولتان تحقيقه وهذا ما أكده وزير الخارجية التركي قبل أسابيع عندما أعلن ان بلاده تُمارس ضغوطا على حماس من اجل ان تعترف بإسرائيل ،اما الاستجابة فإنها ليست وليده اليوم فالإخوان المسلمون عندما حكموا مصر قبل سنوات لم يغلقوا سفاره الاحتلال ولم يطردوا السفير الصهيوني بل ارسلوا سفيرا مصريا جديدا لتل ابيب ،اي ان استجابات الاخوان سبقت حماس ،وكان هذا جزء من ثمن الحصول على كرسي الحكم.
لعل الاقدار جعلت من اخر ظهور لرئيس المكتب السياسي لحماس مشعل قبل مغادرته هو الإعلان عن هذه الوثيقة التي سيكون لها ما بعدها ،وربما حماس تنتظر ردود فعل ايجابيه على وثيقتها من العواصم الهامه ،لكن اسرائيل وكعادتها ورغم انها تدرك معنى ما صدر عن حماس الا انها محترفه في الابتزاز ،ولهذا فقد وصفت الوثيقة بالخداع ،لان اسرائيل ستبقى تضغط حتى تحصل على كل ما تريد تماما مثلما فعلت مع المنظمة.
حماس في وثيقتها أعلنت ابتعادها عن الاخوان المسلمين وهم في أضعف مراحلهم ، ورغم ان هذا ليس أكثر من تكتيك لإرضاء بعض الدول وتحسبا لأي موقف أمريكي ضد الجماعة ،الا ان الموقف من الناحية الأخلاقية يثير التساؤلات ،فالجميع يعلم ان حماس اخوان مسلمين ،وانها تستثمر الجماعة لخدمتها في كل الأقطار مصل مصر والأردن والخليج والسودان.
حماس الجديدة تعيد انتاج نفسها سياسيا ،وربما على قيادتها الجديدة ان تخوض معركه كبيره لإقناع العالم انها تغيرت لكن الثمن سيكون كبيرا .