الحكومة بعد عام وبين عيدين
د.مهند مبيضين
30-11-2008 07:08 PM
في حكم القياس، أمضت الحكومة زمنا معقولا في البقاء، بالنسية إلى عمر الحكومات، زمن حاولت فيه أن تمضي نحو ترجمة كتاب التكليف الذي اسند إليها مهمات واضحة وركز على السياسات التي تساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، في وقت كانت فيه التصاعد الحاد في ارتفاع الأسعار يثقل كاهل الجميع.
نجحت الحكومة في الاستجابة لحركة أسعار النفط العالمية، فيوم ارتفعت وفرت الدعم للمستحقين، ويوم هوت أسعاره تعاملت بايجابية مع الأمر. كان ذلك مما يعد نجاحا لها، لكن أزمة التأقلم مع التسعيرة المتغيرة كانت شاخصة وجاءت صوره التي تكاد لا تشاهد إلا في دولة مثل الصومال حيث الإصطفاف والأزمات أمام محطات المحروقات، وهي تبين أن هناك بعض المسئولين يصرون على المشي على ركبهم.
كتاب التكليف حمل أيضا دعوة للحكومة لتعزيز علاقات الأردن بأشقائه العرب للتصدي للتحديات، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، وفي ذلك توفرت للحكومة معطيات سياسية جعلتها تفكر جديا بالحوار مع حماس، في مواجهة احتمالية انهيار قوى السلطة، أو عقد أي تسوية لا نكون على علم بها، وهذا يكتب في سجل النجاح، ومن ثم كان النجاح في عودة العلاقة مع قطر وإعادة السفير الأردني للدوحة، وهناك العلاقات السورية التي لا تقل أهمية عن أي علاقة عربية وكانت زيارة المهندس نادر الذهبي لدمشق في ذات السياق التضامني العربي.
الحكومة - بحسب كتاب التكليف - مكلفة "بالبناء على ما أنجز، وان يكون عنوان الحكومة الجديدة الأساسي: الشأن الاقتصادي والاجتماعي، مؤكدا عزمه الاستمرار في برامج الإصلاح السياسي، وتعزيز المشاركة وتنمية الحياة الحزبية". ولكن في ذلك رأي.
فالنسبة للتنمية السياسية احسب أن وزيرها أنهى جولاته ومحاضراته، وهو فعل كرره سابقيه في الكرسي لكن دونما أثر، وبالنسبة للثقافة لا تزال احتفالية السلط منعقدة، دونما أن تقييم حقيقي لما يحدث، وكان حري بالوزارة أن تطلب إعادة النظر بقانون المدن الثقافية بما يسمح لها بالتدخل في الأمر، أو وقفه برمته، لان التجربة لا توحي بالخير، سواء في اربد ولا في السلط، واعتقد أن السيناريو سيتكرر في الكرك العام المقبل. ثم كان مهرجان المسرح العربي الذي يقال انه نجح، والسؤال ماذا حصل في الجلسة الأولى وأي نوع من الاحتجاج أبداه الشاعر المصري احمد الشهاوي على محاضر من السودان، الجواب يكون عند من يختار الناس ويعطيهم فرصة للمجيء إلى عمان ويوفر لهم المنابر.
أما بالنسبة للحياة الحزبية يبدو أن الأزمة هنا ليست في الحكومة، بل هي في الثقافة السياسية السائدة التي تُغيب الحزب من وعي الشباب الذين لا يملكون نمطا قياديا بعد، وكانت تجربة هيئة شباب كلنا الأردن بداية جيدة لكنها تعثرت نتيجة لانعدام الرؤى. وهناك كثير مما يعد مطلبا للتغيير أمام الحكومة مثلا التعليم العالي وسياساته التي تقود لتدمير الجامعات ووجود رؤساء فيها شارفوا على إنهاء مددهم وبذات الوقت وأدوا جامعاتهم، وهناك قضية رئيس مفوضية العقبة. مع تقديرنا لخطوة الحكومة بالنسبة للأكاديمية العربية للعلوم المصرفية.
الحكومة فريق في النهاية، صحيح أن نجاح رئيسها ببناء هامش كبير من الثقة به وبمصداقيته يمكن أن يعد مكتسبا للفريق الوزاري، لكن عندما يرفض وزير المالية أو الناطق الإعلامي أو وزيرة الثقافة، أو وزير الصحة عند الحديث في مسألة مستشفى حمزة وتحوله إلى حالة تشبه القطاع الخاص وعندما يخرج وزير الخارجية بمقابلة ضعيفة على فضائية العربية دون نجاح في إيصال أي رسالة، وعندما يرفض غيرهم من المسئولين الإفصاح عن معلومات تتعلق بشان عام، فإن ذلك يعد سحبا من رصيد الثقة بكل الحكومة وليس الرئيس وحسب.
الكثير من النقد موجود على بعض الوزراء، وكثيرون هم الذين يرون بالرئيس رجلا قادر على تحمل المسئولية، وأنه لا يقطع وعودا كبرى ويتعامل بواقعية مع الأمور، وهذا صحيح فهو بعد عيد الفطر وبرغم رواج أحاديث عن تعديل حكومي آنذاك إلا أنه حافظ على تحييد الحكومة من أثر التغيرات السياسية التي جرت، واليوم قبل عيد الأضحى وبعد عام من حكومة الذهبي ربما ستكون هناك فرصة لمراجعة هيكل الحكومة، ولا بأس من التغيير فالوزير الذي يسلب المواطن حقا في معرفة الحقيقة أو يتجاهل إهمالا ما في أمر عام أو لا يستثمر فرصة إعلامية لمصلحة بلدة، قد يتوارى ويغيب عند النقد او يظهر أنه مستهدف، لكنه يقاسم بقية الفريق النجاح إذا نجح الفريق برغم إخفاقه هو، ويبقى عبئا عليه. وفي الختام يقول المثل: الرجال يسقطون بالتجربة.(الغد)
Mohannad.almubiadin@alghad.jo