عندما تسنح لك الفرصة النظر الى الاردن من الخارج ، ترى صورة مشرقة لهذا البلد: فالناظر للصورة من خارج اطارها ، تكون الرؤية لديه اكثر وضوحا ، مما هو داخل اطار هذه الصورة.
فصورة الاردن في نظر حتى غير الاردنيين لامعة مضيئة ، ففيه ملك لا يظلم عنده احد ، ولا يغيب عنه شأن من شؤون مواطنيه ، فالعلاقة بينه وبين شعبه ، تعدت حقوق المواطنة الى حقوق الاخوّة والبنوّة: فالكل في الاردن اخوة وابناء للملك ، وبالتالي انتجت هذه العلاقة النادرة بين الحاكم والمحكوم ، نموذجا نادرا في الحكم الرشيد.
في الاردن أمن وأمان ، وربما يحسدنا عليه الكثيرون ممن حرموا هذه النعمة ، وقد اجرى الله تعالى هذه النعمة ، على ايدي رجال باعوا أنفسهم لوطنهم ، مضحين بأنفسهم ، صدقوا ما عاهدوا الله تعالى عليه ، ثم وطنهم ومليكهم. فأنت تحسّ بهم ، دون ان تراهم ، تشعر ان عيونهم تحرسك في حلّك وترحالك ، رجال يحملون ارواحهم على اكفهم من اجلك.
في الاردن اقتصاد متين ، رغم كل ما نبديه من تذمر. وأنت في الخارج ، طالت المدة أم قصرت ، تحس بالنعمة التي تعيشها في الاردن ، فلا شيء بعيد المنال لأي انسان ، لكن للاسف تعوّد البعض ، على التذمر والجَلد بدون مبرر: فموجة الغلاء التي اجتاحت الاردن في الفترة الاخيرة ، لم تكن الا جزءا من موجة كبيرة ، اجتاحت العالم بأسره والمنطقة العربية بالذات ، وعندما تدقق في الموضوع ، تجد ان الاردن طاله منها القليل ، حيث يتبين بمقارنة بسيطة وسريعة ، فرق في الاسعار السائدة بيننا وبين معظم الدول المجاورة ، وبالطبع لا يعني هذا ، اعفاء بعض التجار من مسؤوليتهم ، في ممارسة الجشع والطمع ، اللذين يسيئان للصورة الجميلة ، التي رسمتها الاجراءات الحكومية ، في الفترة الاخيرة.
ما اردت الوصول اليه ، اننا في الاردن بنعمة كبيرة ، صبغها الله تعالى علينا: فكل عوامل الاستقرار متوفرة لدينا ، ونحن محسودون عليها - كما قلنا - من قًبل الكثيرين ، فالاردن يقع بين براكين ثائرة ملتهبة ، ولكنه يحافظ على استقراره وأمنه ، وبلد مثل الاردن ، يعاني من شح الموارد ، يتمتع باقتصاد متين وواثق ، رغم الصعوبات ، ومواطنه يعيش في بحبوحة ، فقد استحق الاردن ، ان يكون في مصاف الدول الحديثة ، المبنية على أسس ثابتة وراسخة ، ناهيك عن حقوق الانسان على اختلافها: فأنت في الاردن ، تتحدث بما تشاء ، وتعطي رأيك بكل القضايا ، لا يمنعك أحد ، ما دمت لا تمس الثوابت الوطنية المحرّمة على العبث ، وغير الخاضعة للنقاش ، حيث تعتبر الاساس المتين لوجودنا واستقرارنا ، في الاردن لا فرق بين واحد وآخر ، الا بمقياس الاخلاص والوفاء للوطن ، الذي اعطانا الكثير ، وربما لم نعطه حتى الآن ، ما يستحق من تضحيات.
الاردن صورة جميلة ، لا تنكرها الا عين جاحدة ، ونفس مشوهة ، وفم مريض ، يستطعم المرارة ، حتى في الماء الزُلال،