مهما تكن الأسباب التي أدت الى تأجيل انتخابات نقابة الصحفيين، تحت لافتة “عدم اكتمال النصاب”، فإن الواقع الصحفي يبقى الأهم لفهم ما طرأ على المهنة من إصابات، وما تحتاجه من حلول ومبادرات.
حين ندقق في واقعنا الصحفي نجد عنواناً بارزاً وهو “الخيبة” التي يشعر بها أغلبية الصحفيين العاملين في مهنة المتاعب حين وجدوا انفسهم وحيدين في مواجهة أزمات خانقة، لا تتعلق فقط بالدفاع عن الحريات الصحفية والاستقلالية والمهنية وانما قبل ذلك عن لقمة العيش او راتب آخر الشهر او فرصة عمل بديلة، او عن وعود رسمية تطمئنهم على استمرار صحفهم بالصدور وعدم اغلاقها بذريعة الإفلاس.
هذا الإحساس كان حاضراً بلا شك لدى قطاع عريض من الصحفيين الذين حاولت آلة الدعاية الانتخابية ان تحركهم لاختيار مجلس النقابة الجديد، فمن يستطيع ان يتحدث عن الحريات الصحفية او عن إعادة الهيبة لنقابة كادت تحتضر في الوقت التي يتوزع فيه أبناء المهنة بين البطالة وهواجس الفصل من العمل وانتظار الفرج براتب يأتي بعد شهور من الانقطاع.
كانت -بالطبع- مناسبة لكي يحدق الصحفيون في مراياهم ليكتشفوا ما فعلوه بأنفسهم، وما فعله الآخرون بهم، والأهم ليحاسبوا كل الذين استغلوا هذه المهنة الشريفة وركبوا موجتها ثم اختطفوها، حتى اذا ما وقعت في “الفخ” او أصابها الهرم، قذفوها بحجارتهم واطلقوا عليها الرصاص.
الصحيح هو ان محنة الصحافة لا تقتصر على الصحفيين فقط وانما تعني المجتمع والدولة ايضاً، فالصحافة بمثابة “الباروميتر” الذي يعكس حركة السياسة وحركة الوعي، وبالتالي فان ازمتها عنوان لأزمة عامة، وبمقدار ما نتعامل معها بجدية ومسؤولية بمقدار ما نطمئن على سلامة بلدنا وعافية مجتمعنا وصحة مسارنا الى المستقبل.
السؤال الان ليس -فقط- كيف نعيد للنقابة حضورها وفاعليتها من خلال انتخابات تفرز أفضل ما لدينا في هذه المهنة من أشخاص وكفاءات، وانما السؤال الأهم كيف يمكن للصحافة ان تستعيد مكانتها وتجدد نفسها وتدافع عن وجودها وعن حدودها ايضاً؟
الإجابة، بالطبع، اصعب مما نتصور، ليس فقط لان الجسم الصحفي يعاني من إصابات عميقة افقدته الرغبة عن القيام بهذه المهمة، وانما لان أطرافا عديدة دخلت على خط الصحافة، فحرفتها عن مسارها الصحيح، وفيما كان من المفترض ان تكون الصحافة صوتا للضمير العام وناطقا باسم المجتمع، خضعت لمعادلات الربح والاغواء والمصالح، ففقدت ثقة المجتمع بها، وبالتالي فان استعادة هذه الثقة هي الخطوة الأهم في رحلة البحث عن الذات، واستعادة الدور والاحترام أيضا .
على بوابة الانتخابات بعد بضعة أيام وامام الصناديق سيقف الصحفيون امام ضمائرهم ليختاروا من يمثلم لقيادة “ نقابتهم “، وهي مناسبة لتجاوز حالة الاصطفافات والحسابات القديمة، ومواسم الشكوى والتذمر، لمواجهة الواقع الصحفي بكل ما فيه من تحديات ومشكلات، والاجابة على الأسئلة التي تراكمت وتعقدت، ليس فقط على صعيد الخدمات التي أصبحت جزءا من الهم الصحفي، وانما على الصعيد الأهم وهو إعادة حركة الماكينة المهنية كما كانت قبل ان تتراجع، وتطمين الصحفيين على حاضرهم ومستقبلهم، ودفع الدولة لكي تتعامل مع الصحافة بمنطق الاحترام، باعتبارها ذراعها الأساسية التي يعبر عن قيمتها ويدافع عن قضاياها، لا باعتبارها “ ملحقا “ غبّ الطلب لدى هذا المسؤول او ذاك، او وسيلة لتحسين الصورة وتزيين الواقع فقط .
الدستور