فشل الحوار الفلسطيني وسبل إنجاحه!
29-11-2008 10:40 PM
اجتمعوا واجتمع الناس من حولهم، أملا في نجاح الحوار الفلسطيني، وقبل انعقاده تفرق الجمع عن غير تفاؤل، ولكنا كنا ولا زلنا متفائلين، بحكم قناعتنا بضرورة إنهاء حالة التشرذم الفلسطيني، الذي أضر بالقضية الفلسطينية قبل غيرها، ويزداد تفاؤلنا كلما أدركنا أن استمرار كارثة الانقسام لن تؤدي لقوة أحد على حساب أحد، بقدر ما ستضعف الجسد الفلسطيني المنهك أصلا ضعفا وتعبا، وهو ما نتمنى أن يستوعبه المنقسمون على أنفسهم، ليشرعوا في حالة حوار جاد وبناء.
فالحوار الفلسطيني الشامل، يجب أن يبدأ بورقة متفق عليها، لجدول الأعمال، تتضمن كافة المسائل، بحيث يفرض المنطق نفسه فيها، بإجابات ضمنية عن أسئلة محتمة: كيف تنشأ وتستمر، السلطة الموحدة؟ وكيف يمكن أن تصبح مثل هذه السلطة، قادرة على امتلاك الحق في الإكراه، باسم المجتمع الفلسطيني ولمصلحته وبالقانون؟ وكيف يمكن تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الاستقلال على الأراضي المحتلة في العام 67؟ وكيف يمكن التعامل مع وجهات النظر والمواقف والقوى، ذات الطابع الأيديولوجي غير المكترث بالواقع؟ وكيف يُصاغ البرنامج السياسي التوافقي، وكيف يلتزم الجميع به، على قاعدة حل إشكالية التداخل بين الشرعيتين الدستورية والثورية؟
كما أن بدء الحوار الفلسطيني الفلسطيني، يتطلب الشروع فوراً، في عملية إعداد ملفات القضايا الخلافية. وبالطبع لا بد أن يكون مثل هذا الحوار شاملاً، بل ينبغي أن يكون حواراً تشارك فيه جميع مكونات الخارطة السياسية والحزبية والاجتماعية الفلسطينية. فإن حدث ذلك، سيصبح هذا هو الحوار الأول، في تاريخ حركة التحرر الفلسطينية المعاصرة!
فالحوار المعطل في القاهرة، كان يُراد له فلسطينيا أن يكون مناقشات للمصالحة بين "فتح" و"حماس" لإنهاء مظهر الانقسام على الأرض، دونما اقتراب من الخلفيات والمنطلقات، التي أوصلت الحركتين، إلى وضعية الصراع على الأرض. لكن الجديد والمغاير لظروف ما قبل السلطة، وما قبل أوسلو، هو خطورة التباينات الشاسعة في حال المسؤولية عن الأرض والمجتمع، بعد قيام السلطة. لذلك فإن الملفات التي ينبغي أن توضع على طاولة الحوار، تتعلق بتحديد للأهداف، على الأقل خلال ربع القرن المقبل، وبتحديد المفاهيم، لضمان مواجهة فلسطينية موحدة للتحديات الراهنة: ما الذي يريده الفلسطينيون؟ وما هي قدراتهم؟ وبأية كيفية يمكن الوصول إلى أهدافهم؟ وما هو تعريف المقاومة المُجدية؟ وكيف يمكن للكيانية الفلسطينية، أن تستمر حَكَماً بين الناس، وحاضنة لجهودهم في سياق التحرر الوطني، ولإبداعات التعبير عن هويتهم، وإطاراً راسخاً لا تتبدل سماته ولا قوانينه، بفعل ضغوط فئوية وأجندات حزبية ومشروعات خاصة، تخلط الأيديولوجي غير الواقعي، بمتطلبات الحياة الراهنة وشروطها؟
لم يكن هناك حوار داخلي، على امتداد تاريخ القضية الفلسطينية، وعلى امتدادا المراحل. ففتح حركة وطنية بغير حوارات، وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، لم تألف التحاور الشامل المعمق، في أي يوم، لكي تخرج بمحددات وتعريفات للمفاهيم وللأهداف، ولكي ترسم السياسات التي تحظى بالإجماع. كل ما كان يحدث، هو لقاءات لمحاصرة أزمة، أو لوضع صيغة للتفاهم حول قضايا جزئية أو مرحلية. وكان التوافق الضمني، على العناوين العامة، يتوافر بمفاعيل الأمر الواقع، وبدا في كثير من المراحل، أن الحوار ليس ضرورياً، طالما أن المركب تسير، فتحمل الراغبين في الوصول إلى المرفأ الذي يريده القبطان، ومعهم ـ على ظهر المركب نفسه ـ المعترضين على المرفأ، وعلى وجهة الرحلة، لأن لا طريق لديهم بديلاً لوجهة المركب، ولا مركب بديلاً!
ينبغي تحضير ملفات الحوار، ووضع خارطة طريق لمناقشة كافة القضايا. فإن قلنا أن منظمة التحرير الفلسطينية، تحتاج إلى إصلاح أو تفعيل؛ فلا بد من مناقشة كيفية إصلاحها أو تفعيلها، والتعرض لكل الجوانب المتعلقة بهذا المنحى، وفحص إمكانيات تحقيقه، والشروط الموضوعية سياسياً وإجرائياً، والتوصل إلى رؤية مشتركة، قابلة للنفاذ، في حال التوصل اتفاق. معنى ذلك، هو أن نخرج من مرحلة تداول هذه النقطة كعنوان وشعار، إلى مرحلة التوجه إلى صيانة هذا الإطار الفلسطيني الجامع، وتفعيله، والحفاظ عليه، لكي يكون ممثلاً لإرادة الفلسطينيين بكل أطيافهم.
وحين يكون الأمر متعلقاً بإعادة بناء الأجهزة الأمنية، على أسس مهنية، فلا بد من أن يتأسس النقاش على قاعدة فهم وفاقية وبديهية، لمسألة الكيانية، أو السلطة نفسها. فالخطوة الأولى، تكون بالتوافق على تنحية الجماعات المسلحة الفصائلية جانباً، وأن يتوافق الجميع، على إفساح المجال، لسلطة القانون، التي تباشرها قوة شرطية وأمنية مهنية، لا علاقة لها بأجندات الفصائل التي أساءت بقصد أو دون قصد، حتى وصل الحال إلى ما هو عليه الآن.