من الطبيعي لبلد مثل سوريا اليوم، مستباحة من شمالها الى أقصى الجنوب ومن شرقها الى صحن العاصمة دمشق، أن تكون ميدانا للأفكار الميتافيزقية التي تتجاوز حقائق الواقع بكثير من الأطماع والأماني الكريهة، فالتقسيم للأراضي السورية كان محور حديث سياسي منذ إشتداد الصراع وخسارة النظام لشرق وشمال البلاد، ولكن اليوم يبدو أن مسألة نهوض فكرة التقسيم تأتي في وقت لم يعد النظام والجيش يسيطران على الأوضاع إلا بما يساعدهم به القوات الروسية والحضور العسكري الإيراني، ومن هنا برزت رواية جديدة، وهي نشوء منطقة حكم ذاتي في الجنوب تتضمن المحافظات الثلاث، السويداء ودرعا والقنيطرة، وحسب تقرير لموقع عربي21 فإن الحديث جاد بهذا الشأن ويلقى معارضة مسبقة.
الخطير في الأمر أن تزج المصادر السياسية كالعادة الأردن في أي قضية خلافية أو تآمرية فيما يخص الدول المجاورة، وآخرها ما يسمى مشروع الحكم الذاتي في جنوب سوريا، والذي يزعم أن بريطانيا والولايات المتحدة ترعى ذلك المقترح الذي تم طرحه ويدعو إلى إقامة حكم إداري وسياسي لإدارة إقليم المنطقة الجنوبية، السويداء ودرعا والقنيطرة، ويحتكم الى ثلاث سلطات متوقعة وهي برلمان وحكومة ومجلس أعلى للقضاء، وبزعم مصادر التقرير فإن شخصيات من العشائر الحدودية من الجانب الأردني و أبناء عمومتهم من الجانب السوري قد إلتقوا لمناقشة هذا المقترح وخرجت أوساط سياسية هناك بدعوة عامة لتسريع إقامة المشروع. الأردن بالطبع وعلى أعلى المستويات يرفض تماما أي إجتزاء أو إقتطاع أو تقسيم أو نشوء منفصل عن الأرض السورية وخارج إطار وهيكل الدولة السورية في أي مرحلة قادمة، والحل السياسي لإنهاء الصراع في سوريا هو الهدف للأردن منذ بداية المشكلة وحتى اليوم، ولا يمكن ربط عمليات الإستهداف المبكر أو المناولة العسكرية التي يشترك بها الأردن داخل أي عمق حدودي هدفها الأمن الوقائي لحدودنا وحماية المدنيين السوريين بالقرب منا، على أنه باب لتوريط الأردن في قضايا شائكة، أو رعاية كيانات جيوسياسية داخل الأرض السورية، فالأردن الرسمي «تورط أخلاقيا»، بدعم شعبي أردني، بنجدة الأشقاء السوريين وحماية العائلات من ويلات القتال المدمر، ولا يمكن للكريم أن يطالب بسداد فاتورة كرمه، فكيف بالتآمر؟!
ولحسن الحظ، أعاد جلالة الملك التأكيد المرة تلو الأخرى حرص الأردن الشديد رسميا على وحدة واستقرار كامل الأراضي السورية، ولكن هذا لا يعني الوقوف مكتوفي الأيدي لاستباحة الجماعات الإرهابية والفصائل العسكرية للمنطقة الجنوبية بلا رادع، وإذا كانت الفوضى والإنحلال العسكري هو سيد الموقف في جارتنا السورية وعجز النظام وشركائه عن حماية المنطقة فمن الواجب أن يقوم الأردن بهذا الواجب الوطني لحماية الأراضي الأردنية والسكان، وصد المحاولات اليومية التي تقوم بها جميع الفصائل المعارضة والمساندة للنظام هناك.
في لقاء الملك الأربعاء الماضي مع رؤساء المؤسسات الصحفية شرح جلالته باختصار الموقف الأردني رسميا بقوله «نحن مطمئنون بالنسبة للوضع على حدودنا الشمالية، ولدينا كامل القدرة وأدوات مختلفة للتعامل مع أي مستجد حسب أولوياتنا ومصالحنا... وشدد الملك بصراحته :»لن نسمح للتطورات على الساحة السورية وجنوب سوريا بتهديد الأردن»، فيما بدد غمامة الشكوك وضباب التشكيك والغمز من قناة الأردن حول دور محتمل للأردن، بقوله: «نحن مستمرون بسياستنا في الدفاع في العمق دون الحاجة لدور للجيش الأردني داخل سوريا، وهذا موقف ثابت مستمرون فيه والهدف هو العصابات الإرهابية «
من هنا يجب أن يفهم من لم يقرأ التاريخ أو لا يريد أن الإعتراف بحقيقة الواقع، أن الأردن طالما كان هو المستهدف منذ قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948 بروايات التقسيم والتوطين والكيان الهش وصاحب الدور الوظيفي، ومع هذا كل الأنظمة التي كانت تؤز الأبواق والحركات ضد هذا البلد، قد بادت وقادتها قد ماتت وتاريخها تم مسحه بالدم، وبقي الأردن وردة ناعمة تحميها أشواك شعبه وجيشه ورعاية الله، وليس للأردن الوفي لأشقائه أي أطماع في أي بقرة سياسية مريضة قد تنفق في أي وقت، إلا إنقاذها أو إخراج استيلاد وضع آمن وقوي من أحشائها، وهذا ما ندعو له في سوريا والعراق، أما مشروع حكم ذاتي في جنوب سوريا فليس للأردن أي دور ولا مصلحة فيه، وإن حدث بدعم غيرنا فإن سوريا ليست بخير، وعلى قيادتها التخلص من كل الأعاجم الذين أضعفوها حد الإحتضار.
الرأي
Royal430@hotmail.com