ان مفهوم صناعة القرار السياسي يرتبط في جوهره بوجود مجموعة من البدائل الإجرائية سيتم الاختيار منها وفق عملية تحليلية تقوم على التقييم الموضوعي والحرفي وفقا لمعايير تم تحديدها مسبقا على أساس التوافق الكلي بين من مكونات المجتمع او الدولة او ممثلي المجتمع.
ان دور المواطن يتجسد كما نصت عليه مواد الدساتير العالمية في مجملها هو دور جوهري رئيسي لا يمكن تجاهله او تغييبه. المواطن هو العمود الفقري لكيان اي دولة. يقوم المواطنون بواجباتهم التي حددها الدستور والقانون ومجموع الناتج الكلي من إنتاجيتهم فكريا وماديا هو ما تقوم على اساسه ديمومة الدول. المواطن ايضا يقوم باختيار الاليات التي تقوم الحكومات من خلالها بتنظيم شؤون الدولة وعملها الرسمي ومن هذه الاليات العملية الديمقراطية في اختيار صناع القرار السياسي والتنفيذي.
في الأردن، تغييب الفئة الأكبر من المواطنين عن عملية القرار السياسي طوال عقود كان يرد فيه اللوم على المواطن نفسه تارة لعجزه عن ممارسة دوره بحرية مطلقة دون قيود او على الحكومة تارة لعدم جديتها في تمكين المواطن او مجموعات العمل الشعبي الحقيقي من القيام بأدوارها الرقابية والتي يعتبر الضغط الشعبي الحضاري والمدني جزءا منها.
ان ما مر به الأردن ويمر به من ظروف بالغة الدقة يتطلب من اجهزة الدولة الرسمية العمل باخلاص على تمكين المواطنين افرادا وجماعات من البدء بممارسة الدور الحقيقي لهم فيما يتعلق بصنع القرار السياسي والمشاركة الفاعلة في وضع الحلول الناجعة لما وصل اليه حال الاقتصاد والممارسات السياسية اللامسؤولة للكثير من المسؤولين.
ان ذلك يتطلب جهدا كبيرا من جهة المواطنين وعلى راس تلك الجهود هو ان نمتلك ثقافة المشاركة الفاعلة والايجابية والملتزمة في التعبير عن ارائنا كافراد وجماعات وهذا سيقود الى خلق حالة من الحركة الاجتماعية الكلية هدفها الأعلى هو اعادة صياغة منظومة العمل الجمعي للدولة بما لا يخالف الدستور وبما يماشي القوانين الناظمة للحياة في وطننا الحبيب.
ان هذه المرحلة لا تتطلب جبنا ولا تتطلب تهورا وإنما تتطلب وعيا بالمشاكل التي تواجهنا وبالمعضلات التي استعصى حلها اولا ثم تشكيل حركة اجتماعية سياسية يشارك فيها كافة مكونات الشعب وتنظمها اليات العمل المدني السياسي ومؤسسات المجتمع المدني خاصة وعامة يتم من خلالها الذهاب الى ما وراء الأسباب القريبة المباشرة لما نحن فيه اقتصاديا واجتماعيا ويتم رد هذه المعضلات الى جذورها ومسبباتها التاريخية من خلال وضعها في إطارها الحقيقي تاريخيا وتحديد معالمها والمكونات السياسية الرئيسية التي كانت في موقع القرار في كل الأوقات التي تفاقمت بها نتائجها السلبية وتحديد الظروف الحقيقية التي في ظلها وقع الخلل والخطأ ومن ثم استمرار هذه الحركة الاجتماعية السياسية في العمل الجمعي بوعي كامل وبشفافية مطلقة وصولا الى طروحات متعددة للحلول التي يمكن تطبيقها لتجنب المزيد من الاثار السلبية لتجاهل المسببات والجذور الحقيقية للمشكلات.
ان الاوطان أكبر منا جميعا فالأفراد يذهبون ويبقى الوطن، فلنعمل باخلاص لوطن ما بخل يوما علينا ولكننا بخلنا عليه في كل وقت بجهد إضافي قد يكون هذا الوقت هو اكثر الأوقات مناسبة لوضع هذا الجهد الاضافي.
والله من وراء القصد