كيف تذكرت يا أحمد .. ولماذا لم تتغير في عصر العولمة؟
د. ايهاب عمرو
29-04-2017 02:33 AM
تلقيت قبل شهور قليلة رسالة عبر تطبيق "واتس أب" من شخص عرف على نفسه أنه صديق الطفولة والدراسة قائلاً أنه بحث عني فترة طويلة حتى حصل على رقم هاتفي من أحد أقربائي. وقام بإرسال إيماءات معينة مثل أسماء المدرستين اللتين درسنا فيهما، وأسماء المدرسات والمدرسين الذين قاموا بتدريسنا خلال المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ثم طلب مني التعرف عليه.
عندها لم أجد صعوبة في تذكر بعض الزملاء الذين كانوا معي خلال تلك الفترة، حيث قضينا سنوات طوال على مقاعد الدراسة وكنا على الدوام نلازم بعضنا البعض في منازلنا، وكنا نمارس رياضة كرة القدم من خلال فريق المدرسة، وكنا نلازم بعضنا كذلك في فرق الكشافة المدرسية وفي المجموعات الفنية ذات العلاقة بالأنشطة المدرسية. حقيقة الأمر لم أجد عناء كبيراً في تذكره وفي توقع أنه هو المبادر بالاتصال، إنه صديقي أحمد. وقام أحمد بتزويدي بأخبار كافة الزملاء السابقين الذين أصبح معظمهم مهندسين، أطباء، محاسبين، ورجال أعمال كأحمد.
بقيت محادثته علامة فارقة في حياتي، وتواعدنا باللقاء عند زيارتي الأردن، وهو ما حدث خلال زيارتي الأخيرة، حيث قام مشكوراً بدعوتي لتناول طعام الغداء في فندق ريجنسي بالاس الراقي في مدينة عمان، ثم قام بدعوتي مرة أخرى برفقة زميل آخر درس معنا ويعمل مدقق حسابات لتناول طعام الغداء في مطعم فاخر جداً في يوم لن يمحى أبداً من ذاكرتي، إذ قضينا وقتاً ممتعاً وتذكرنا كافة اللحظات الجميلة التي عشناها، وتحادثنا عبر تطبيق واتس أب مع زملاء أخرين بعضهم موجود في الأردن مثل إبراهيم الذي أصبح مهندساً معروفاً، وآخرين خارج الأردن مثل محمد الذي أصبح رجل أعمال في الولايات المتحدة.
عندما حادثني أحمد في المرة الأولى قلت له كيف تذكرت بعد كل هذه المدة الطويلة؟ أجابني قائلاً بدهشة وهل نسيتك، وهل نسيناك، الكل يذكرك، وذكرني بأنني كنت لاعب كرة قدم مميز على مستوى المدرسة.
إن أحمد الذي أصبح رجل أعمال على مستوى الأردن حالة فريدة ومميزة في العصر الذي نعيش، إذ أنه يجمع كافة الزملاء السابقين ويذكرهم ببعضهم البعض، ويتواصل معهم عبر تطبيق واتس أب لا لشيء إلا ليذكرنا بالماضي الجميل. ولم يتغير أحمد في عصر العولمة إذ بقي ثابتاً على مبدأه في عصر المتغيرات، ذلك أنه ينتمي لجيل تربى على احترام الصداقة واعتبارها بمثابة رابطة قرابة، جيل ينبذ صداقة المصالح ولا يعترف بها كأساس للعلاقات الإنسانية.
أعادني أحمد إلى الوراء ثلاثين عاماً أو يزيد، وذكرني بكافة المعلمات اللاتي قمن بتدريسنا خلال المرحلة الابتدائية، والأساتذة الذين قاموا بتدريسنا خلال المرحلة الإعدادية، خصوصاً أن لديه علاقات مميزة مع معظمهم ويلتقي بعضهم في شركته.
لقد جئت يا أحمد أو عدت في لحظة كنت أحوج ما أكون فيها أن أعود إلى الوراء، أن أعود إلى ذاتي وأن أعيد اكتشاف نفسي، إذ جئت لتقول لي كن كما كنت وكما ستكون، وعدت لتقول لي لم تكن غير ما كنت ولن تكون. ودعته ولسان حالي يقول من أين جئت يا أحمد وكيف عدت؟، وأحسبك عدت لتعيد إلى ذاتي وترسم لي حقيقة أمنياتي.
غادر أحمد بعد أن قام بإيصالي بسيارته عائداً إلى بيته، غير أنني لم أغادر تلك اللحظة الفارقة في حياتي..أشتاق إليك يا أحمد..أشتاق إليكم يا أصدقاء طفولتي..أشتاق إليك يا طفولتي..أشتاق إليك يا ذاتي...أشتاق إليك يا مدرستي، أشتاق إليكم يا معلماتي ويا أساتذتي.