الخطاب الاستعماري في نسخته الحديثة
سامح المحاريق
27-04-2017 12:07 AM
كانت أهداف الاستعمار في مطلع القرن العشرين تركز على تحقيق هدفين أساسيين، الأول السيطرة على شرق المتوسط، أو الشريط الساحلي الممتد من غزة وحتى الإسكندرون، والثاني محاصرة الإمبراطورية العثمانية، ولأن الأردن لا يحقق الهدفين فإنه أتى في درجة تالية من الأهمية بعد الدول الأخرى فيما يعرف حالياً بدول الشام، والمستغرب أن يتبنى الرئيس السوري بشار الأسد وجهة النظر الاستعمارية في هذه المرحلة، ويصف الأردن بالبلد غير المستقل، أما الحديث عن الأردن بوصفها أرضاً فتركه الرئيس السوري مفتوحاً وما يهم هو تجاهله لكينونة الدولة في الأردن.
تاريخياً يدحض الأردن التصور الاستعماري الانتقالي لأراضيه، فعلى هذه الأرض قامت حضارات متعددة استطاعت أن تخوض صراعات طويلة من أجل الاستقلال والسيادة، وكانت مثل غيرها من الأقاليم أن تشكل هويتها الخاصة، فلا يوجد إقليم يمكن أن يتقدم على آخر، ولا أن يزعم قدرته على التأثير على محيطه، باستثناء بطبيعة الحال الحضارات التي قامت في العراق وفي مصر باستنادها على أنظمة زراعية ومدنية متقدمة قياساً بغيرها ومركزية تحققت من خلال ارتباطها بالأنهار الكبيرة، ولذلك فإن الحديث عن الأردن بوصفها أرضاً مقابل سوريا بوصفها دولة أمر لا يمكن أن تقره الرؤية التاريخية أو الواقعية اليوم.
الأردن عملياً دولة متماسكة يمكن أن يلمح الزائر علامات اختلافها عن محيطها من اللحظات الأولى في مطار الملكة علياء حيث سيلحظ الأداء الأمني المقترن بمهنية عالية، وسيتعزز لديه الانطباع أثناء تواجده، بينما يمكن لمن يتحدث عن الفرق في عمق الدولة بين الأردن وسوريا أن يتذكر رحلة العبور إلى الأراضي السورية قبل الأزمة، والمظاهر التي كان يشاهدها الجميع والحكايات المكبوتة عن مساجين ومفقودين لعقود من الزمن، بينما كان الأردن بنظامه المستقر وبثقته في ذاته يستطيع أن يحتوي أقصى المعارضة ويخرجها من السجون إلى المواقع المتقدمة في الدولة.
التصريحات المرفوضة من الرئيس السوري أتت لتضع الأردن في المعسكر الأمريكي، وبما يوحي بنغمة معسكر الممانعة المكررة والتي لا تجد كثيراً مما يثبتها على الأرض خاصة بعد أن فقدت مقولة في الزمان والمكان المناسبين أي صفة واقعية أو بلاغية، والحقيقة أن الأردن وفي مرات كثيرة تمرد على تحالفاته التقليدية من أجل سوريا، وذلك منذ الخمسينيات، فالأردن، وذلك لا يخفى على أحد، ولا ينكره الأردنيون، ولا تنكره الدولة، جزء من سوريا الطبيعية والكبرى وذلك مكون أساسي في شخصيته ووجوده.
التنابز على مستوى الرؤساء العرب ليس بدعة جديدة، وما زالت تحضر في الذاكرة وصلات الهجاء والتطاول المتبادل بين حسني مبارك وصدام حسين والتي نأى الأردن بنفسه عنها، وعندما أبدى الراحل الحسين عتبه على بعض القادة العرب فإن ذلك أتى في إطار درس في الحكمة والبلاغة السياسية فبدا الأردن وملكه مترفعين على الصغائر والمهاترات، ولا جديد في الأمر فبعد أن أشبعت صوت العرب الأردن شتماً وتجريحاً كان جمال عبد الناصر يعلن بوضوح تقديره لدور الأردن في المعركة في خطاب تنحيه الشهير.
«ولقد كان هذا هو ما واجهته أيضاً قوات الجيش العربي الأردني التي قاتلت في معركة باسلة بقيادة الملك حسين، الذى أقول - للحق وللأمانة - إنه اتخذ موقفاً ممتازاً، وأعترف بأن قلبي كان ينزف دماً وأنا أتابع معارك جيشه العربي الباسل في القدس وغيرها من مواقع الضفة الغربية، في ليلة حشد فيها العدو وقواه المتآمرة ما لا يقل عن ٤٠٠ طائرة للعمل فوق الجبهة الأردنية.» هذا ما قاله عبد الناصر، وما يستحقه الأردن من محيطه العربي.
الرأي