سبعة وثلاثون عاما مضت كأنها الحلم ... سبعة وثلاثون عاما منذ أن فارقتنا يا أبا مصطفى ..... كنا حينها صغارا بعمر الورد ... لكنا حملناك بين الضلوع قلبا غضيا بوسع حلمك الكبير .... حلم هاشمي بوسع الوطن ... ارضا وبحرا وسماء .... وأناسا كانوا يعتقدون دوماً أنك خُلقت لأجلهم ، لأجل عزهم ، لأجل مستقبلهم .
في لحظة ولادتك كانت جبال كردستان تشتد ، وفي لحظة الشهادة كانت ولادتك الثانية… سنابل تتسلق عتبة الدار لتحاكي ذكرى طفل ترك وراءه حمام البيت ودفتراً فيه أمنيات تنام بهدوء …ولا يجزعه المنام ليلاً ….يجيء وصفي …. يفتح باب الدار فيهب النسيم الحوراني…. وقلب أمه المطرز بالنرجس الكردي .. وطفل كانت تهدهد له حمام الدار كي ينام .. يدخل وحقيبته الملونة…. يسندها إلى حائط حجري وينام في حضن أمه ، فتعود به مهاجرة إلى مهد أبيه وقومه …. لقد كبرت يا وصفي .. لتركض في سهول اربد .. تلقي بمنجلك حصادا لسنابل القمح الحوراني ..ثم تتعلم القراءة مع أقرانك في السلط …وتفترش تراب الوطن وتغفو ، فيكبر حلم أمتك في عينيك …. ويكبر ذلك الطفل المشاكس ليغدو رجلا ليحمل من المسؤولية جسامها.
يا أبا مصطفى … املأ "البايب" بالتمباك …والقي بنظرك من "طف الكمالية" صوب الغرب وتأمل…الم تكن فلسطين هاجسك كما الأردن … فلسطين التي عرفتها وعرفتك مناضلا مدافعا عن عروبتها ، الم تحمل البندقية يوما دفاعا عن كرامتها ... لا أظن فيها من حجر أو زاوية أو جدار لا يستطيع أن يتهجأ اسمك… ليس هناك جدولاً ولا سنبلة أو شجرة لا تتشابه به مع ملامحك …. تتشابه مع الرجل الذي أخفى ملامحه لتتضح معالم أمته .
أبا مصطفى ... أيها الرجل المعنى في زمن تساقطت فيه المعاني ... أيها الطيف العصي الذي لا يُرى بسهولة ...أيها النجم الأردني الذي احترق وهوى ….. كعباءة منسوجة بورق الزيتون ووجهه مقبل على الصلاة كحدود الشهادة ".
دمك يا وصفي….كان يركض في ارض الكنانة كنهر بلا مستقر ، كان يرفع صوته ذبيحاً، يحكي قصة بطل صوب قلبه إلى الشمس في سماء الأردن لحظة الشهادة، ولم يتسع له الوقت ليطرق أبوابه واحداً واحدا… كي يضع أمانة الدم في الدم ، فكان أن ترك وصيته على الأرصفة حتى تصافح في الصباح وجوه تلاميذ المدارس وهم يذهبون إلى درس القراءة عن الوطن.
يا حبيب الحسين … يا حبيب أبا عبدالله حين نعاك للأمة قائلا : عاش وصفي جنديا منذورا لخدمة بلده وأمته يكافح بشرف من أجلها وقضى في سبيلها جنديا باسلا ….. استشهد وصفي تاركاً أمانة الدم لنا ….وإشارة صريحة من سبابته إلى أن عدو الأمة واحد ….غفت عيناه وهي ترنو إلى غربي النهر .
دمك يا وصفي كان قد وضعنا على طرف الخيار …إما أن نُغيب أو نغلب أو نموت….أو لست القائل لحظة الوداع " ما دام هالسراج بيه زيت خليه ضاوي " ….فاخترت الموت راضيا بالشهادة والآخرة ، واختار قاتلوك حفنة من الدولارات.
وصفي … أيها الفتى الحوراني المعتق … يا ابن عرار…. هل كانت فعلا دروب الخيرين أمثالك غير مأمونة ؟ هل هي نبؤة الشعر من أبيك ؟ فدرب الحر يا وصفي كدربك غير مأمونة ….يا راية للشهادة ….. شعاع أثر شعاع … سنبلة تلو سنبلة ...ودعتنا نجما جهاديا انضم إلى كوكبة الشهداء ... سنديانة انغرست في تل الكمالية ... ..كوفية تشابهت خيوطها مع ندوب الأرض الطاهرة … يا من اخترقت رصاصات الغدر صدرك...لكنك لم تنحنِ … يا من آمنت بأمة كتبت عليك كانها قدر... وبالأردن وطنا .. وبالهاشميين أهل قيادة ودراية .
Ibrahim.z1965@gmail.com