ليس دفاعا عن الامن العام مروريا .. انه الواقع
د. بشير الدعجة
26-04-2017 02:08 PM
دعا جلالة الملك عبدالله الثاني عبر تغريدة له على وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر ) مؤخرا الى التصدي لظاهرة حوادث السير بحزم ومسؤوليه ... وغرد جلالته عبر حسابه قائلا : نتيجة الاستهتار بقواعد السير وعدم تطبيقها نخسر كل يوم زهرة من اطفالنا والخيرة من شبابنا ... علينا جميعا التصدى لهذه الظاهرة بحزم ومسؤولية ... وجاءت تلك التغريدة على اثر حوادث سير مفجعة كان اخرها وفاة 4 اطفال واصابة 22 اخرين بجروح نتيجة تصادم باص روضة مدارس مع بك اب في محافظة المفرق .
ليست هذه المرة التي يعلن عنها جلالة الملك عن قلقه ازاء ازدياد الحوادث المرورية وما يتكبده الاردن من خسائر بشرية ومادية تنتج عنها ... وقد طالب جلالة الملك برسالته الملكية السامية الى مدير الامن العام اللواء الركن أحمد الفقيه عند استلامه مهامه مديرا للامن العام ... بوضع استراتيجية مرورية متكاملة للحد من حوادث السير ونتائجها الاليمة ... الا ان مديرية الامن العام تلكأت في اعداد خطة استراتيجية وتنفيذ الاوامر الملكية السامية ... ليس ضعفا وقلة خبرة لمديرية الامن العام ... فهي تمتلك من العناصر البشرية المرورية المؤهلة وذات الخبرات التراكمية المقرونة بالتحصيل العلمي المتخصص في مجال السلامة المرورية ...لكن السبب يعود الى يقينها التام بان اي خطة استراتيجية مرورية أن لم تشارك بها جميع الجهات الرسمية والاهلية المعنية بالعملية المرورية لن تنجح مهما كانت اجراءات مديرية الامن العام في تطبيق وتنفيذ كافه القوانين والانظمة المتعلقة بالعملية المرورية ... ولا ادافع عن مديرية الامن العام اذا قلت ان بعض الجهات المعنية بالعملية المرورية بما فيها المجلس الاعلى للمرور في سبات عميقا فيما يتعلق بالعملية المرورية برمتها ... فالامن العام دائما هو ( بوز المدفع ) وكبش الفداء عند وقوع اي حاث مروري ... وتتجه اصابع الاتهام مباشرة اليه متهمة اياه بالتقصير وعدم قيامه بواجباته المرورية على اكمل وجه ... متناسين كل من اتهمه بانه عنصر من عدة عناصر ومؤسسة من عدة مؤسسات رسمية وأهلية معنية في السلامة المرورية ... وليس هو المعني الوحيد بذلك ...
ان ما يقوم به جهاز الامن العام في مجال السلامة المرورية يفوق امكاناته المادية والبشرية ... ويحرث وحيدا في حقل السلامة المرورية ... مجاهدا صابرا بينما بعض الجهات الاخرى ( كأن عرس المرور عند جيرانهم ) لا يعنيهم ... وما يسند اليهم في مجال في مجال السلامة المرورية مجرد كتب موضوعة داخل ادراجهم وعلى رفوف مكاتبهم وملفات محفوظة على حواسيبهم ... ( وعندما تقع الفأس بالرأس ) جراء حادث مروري يغضب جلالة الملك أو يلتفت اليه ... أو يتشكل حوله رأي عام غاضب وسلبي ... نبدأ نشاهد هذه الجهات قد نشطت عبر وسائل الاعلام بمختلف انواعها تدعو الى مؤتمرات وندوات وحوارات حول السلامة المرورية وانها بصدد وضع استراتيجية مرورية لمعالجة مشكلة المرور من جذورها على مستوى المملكة وتنشط عدة ايام ... وبعد نسيان أو تناسي الرأي العام ووسائل الاعلام الحادث المرورية ... (ترجع حليمة لعادتها القديمة) ... وتغط هذه الاجهزة في سبات عميق الى ما شاء الله ... حتى وقوع حادث مروري – لا قدر الله تعالى – ينجم عنه وفيات واصابات... ويعلن جلالة الملك أو الرأي العام الاردني موقفه المتشائم والغاضب من حوادث المرور .
ان جهاز الامن العام و بمجهودات مع بعض المعنيين استطاع ادخال بعض دروس التوعية المرورية في مناهج وزارة التربية والتعليم ... عدا جهوده الشخصية في مجال التثقيف والتوعية المرورية لكافة فئات المجتمع الاردني بالرغم انه هذا المجال يجب ان تتولاه جهات اخرى معنية بالعملية المرورية وليس جهاز الامن العام الذي يستنزف ذلك وقت وجهد كبير منه ... فالاجدر ان يوحه هذا الجهد والوقت لتطبيق قانون السير وانظمته أو ملاحقته الجريمة بشكل عام والحد منها .
ان البعض ينعت جهاز الامن العام بالتقصير في تطبيق قانون السير وملحقاته ... ويصفونه بالتراخي وعدم الجدية واللامبالاة في ذلك ... أقول كوني احد ابناء جهاز الامن العام - وشهادتي مجروحة في ذلك - ان مايحمله جهاز الامن العام من هم للمشكلة المرورية ... لم تحمله اي جهة اخرى من الجهات المعنية بالعملية المرورية ... فهو اذا انكسرت ماسورة مياه وتنزف في الشارع لعدة ايام ... يتم ابلاغ ادارة السير بذلك ... واذا ترك متعهد حفرة بدون ردم بعد اجراء عمليات له في احد الشوارع ولعدة اشهر ... يتم ابلاغ الامن العام ... واذا اغلق شارع جراء ثلوج او عوائق يحمل الامن العام المسؤولية كاملة... ناهيك عن تحميله كافة الحوادث المرورية القاتلة ونعته بالتراخي وعدم تطبيق وتنفيذ القوانين المرورية بحزم .
ان العملية المرورية بأكملها مسؤولية اكثر من 17 جهة رسمية وأهلية معنية بذلك ... هذه الجهات يجب ان تقوم بواجبها المروري على اكمل وجه ... وان الاوان ان تتحرك ولا تكتفي بالاجتماعات واللقاءات ... ويكفي ( ضحكا ) منها على جهاز الامن العام وتلبيسه جميع طواقي الاخفاقات أو وضعه ( بوز مدفع ) امام الراي العام الاردني الذي مازال البعض منه يجهل بان حوادث المرور ليست مسؤولية الامن العام لوحده ... ولكنه هو الذراع المنفذ لقانون المرور... وان جهات اخرى معنية بوضع استراتيجية مرورية متكاملة على مستوى المملكة ومنها المجلس الاعلى للمرور ... الذي لم نسمع اخباره منذ سنوات ... هل مازال على قيد الحياة ... ام هاجرالى الخارج ... ام حصل على عمل خارج البلاد ... اين المجلس الاعلى للمرور واين استراتيجياته وخططه المرورية وماذا انجز منها زماهي اسباب عدم انجاز الباقي منها ... ام مازلت خططه ( حبر على ورق ) وحبيسة الادراج ... ام ان التغني بهذه الخطط يكون عند انعقاد مؤتمرات عالمية او محلية خاصة بالشأن المروري وبدون تطبيق غلى ارض الواقع.
ان غضبة جلالة الملك لم تأتي من فراغ ... وكانت تغريدته واضحة تحمل في طياتها رسالتين ملكيتين للاجهزة والجهات المعنية في العملية المرورية وهما ... اولا التعدي بحزم وبشدة للمستهترين بقواعد المرور بشكل خاص وخرقها وتطبيق وتنفيذ القانون والانظمة المرعية بحقهم .
والثانية تعبر عن غضب جلالته نتيجة ازهاق ارواح الاطفال والشباب الذين وصفهم ( بالزهرات وخيرة شباب الوطن ) بدلا من رعايتهم واخراجهم بشكل حضاري للوطن... يأتي سائق مستهتر ويقتلهم مطالبا جلالته بتحمل هؤلاء المسؤلياتهم.
فتغريدة جلالته واضحة كوضوح الشمس لا تحتاج الى تحليل واجتماعات ولقاءات ومؤتمرات من قبل الجهات المعنية بالعملية المرورية ... ولا تحتاج الى خض الماء الذي سيتمخض في النهاية ماءا وليس زبدة ... فالرسالة الأولى يقوم بها جهاز الأمن العام على أكمل وجه في تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بذلك من خلال انتشاره المروري الواسع في كافة مناطق المملكة وتطبيق حازم لقواعد المرور ... وما شكاوي المواطنين من كثرة انتشاره المروري وتحرير مخالفات بحقبهم الا دليل واضح على جدية الامن العام في تطبيق القوانين والانظمة الناظمة للحد من الحوادث المرورية ومسبباتها ... الا انه اذا كان هنالك تقصير لدى جهاز الامن العام في تطبيق القوانين والانظمة الحالية للمرور ... يعود الى قلة الامكانيات المادية وليس البشرية ... فلديه جهاز مروري محترف نباهي به اكثر الدول المتقدمة بشريا في المجال المروري ... لكن الامن العام يحتاج الى دعم لوجستي ماديا ... من خلال توفير كافة الامكانيات المادية له من انظمة مراقبة الكترونية حديثة تغطي كافة مناطق المملكة وخاصة الطرق الخارجية ونقاط المرور السوداء التي تكثر عليها الحوادث وغيرها من وسائل السلامة العامة التي تحد من الحوادث المرورية .
لا أعتقد ان بعض الجهات المعنية بالعملية المرورية تهتم بها كما يهتم الامن العام ... فهي مصدر قلق له باستمرار ويحاول جاهدا مع بعض الجهات ان يحد من حوادث المرور ... لكن ( يد واحدة لا تصنف ) اذا لم تتظافر كافة الايادي للتصفيق الجاد لمحاربة الافات المرورية.
اما الرسالة الملكية في تغريدة جلالته فتتحمله كافة الجهات المعنية بالعملية المرورية وكذلك المواطنين كافة ... فالانسان هو محور العمية المرورية سواء كان سائقا ام مصمما للطريق وهندستها ... او صانعا للسيارة ... او ماشيا على قدميه ... لذلك لابد من تأهيل هذا الانسان تأهيلا يساهم في الحد من الحوادث المرورية ... وما حادث القطرانة الاخير الا شاهدي على ذلك نتيجة عدم صيانة الطريق بشكل دوري يضمن انسيابة الحركة المررية عليه .... فعلى المعنين بهندسة الشوارع وصيانتها ... ان يصمموا طرقا خالية من العيوب الهندسية بحيث لاتتشكل لدينا مستقبلا شوارع سوداء تكثر عليها حوادث المرور بسب عيوب في التصمييم الهندسي ... وهي كثيرة ولا مجال لذكرها هنا ... ولانكتشفها ونهب الى اعادة تصميمها من جديد الا بعد خسارة عدد لا باس به من المواطنين بين قتيل وجريح ... اما صيانة الشوارع فهي مشكلة بذاتها ولا نفطن اليها ايضا وننشط في صيانتها الا بعد ( وقوع الفاس بالراس ) ... اما السائق فهو طرف مهم في العملية المرورية ... وتقع عليه مسؤولية كبيرة ... ولهذا يجب اعادة تأهيل الانسان الاردني منذ الصغر ورعايته مروريا من خلال استراتيجية مرورية تمتد معه الى ان يصبح مؤهلا فنيا وقانونيا لقيادة المركبة عند بلوغ السن القانوني للقيادة فهنالك ضعف في مجال الارشاد والتوعية المرورية ... تحمل جهاز الامن العام الجزء الاكبر منها ... واستنزفت جزء من امكانياته المادية والبشرية وجهوده ووقته التي كان من الاجدر ان يوظفها لتنفيذ وتطبيق القوانين والانظمة المرورية ... لكن كما - ذكرت سابقا - بسبب غياب ادوار كثير من الجهات المعنية بالعملية المرورية ... وعدم جديتها في محاربة آفة الحوادث المرورية ... اضطرت مديرية الامن العام لتبنى دور التوعية المرورية ( وشرب دماء ) بعض الجهات المعنية بذلك .
انا اطالب بفتح ملف النقل والمرور في الاردن على مصرعيه وتشريحه بجدية واعادة دراسته بتروي للبحث عن الحلول الناجعة للحدمن حوادث المرور ... وذلك بوضع استراتيجية كاملة للنقل والمرور على مستوى المملكة ... وان تكون اللقاءات والمؤتمرات والجولات المكوكية هذه المرة تراعي الهم والغضبة الملكية من ظاهرة او مشكلة الحوادث المرورية ... مطالبا بان يتابع اليوان الملكي العامرالتغريدة الملكية والتاكيد على تنفيذها من قبل الجهات المعنية واستحداث فريق عمل مخصص للمراقبة والمتابعة لعمل الجهات المعنية ورفع تقريرا شهريا لجلالة الملك حول عمل واداء الجهات المعنية بذلك ... واتخاذ الاجراءات المناسبة لكل جهة لا تقوم بادائها المروري او تتقاعس عن ادائه... وعلى رئيس الوزراء الاكرم وهو رئيس المجلس الاعلى للمرور ومعني بالعملية المرورية وبتغريدة جلالته اكثر من غيره ... وعليه تطبيقها .
ان الهم المروري والنقل ... هم كبير جدا وموضوع طويل ... لا يستطيع اي محلل او متابع للشان المروري تناوله بتحليل واحد ... فهو يحتاج الى سلسلة طويلة ومتعددة للحديث عنه وتحليله ... لكن كان هدفي من هذا المقال هو عدم تحميل الهم المروري ومشاكله لجهاز الامن العام وحده ... فهنالك عملية تشاركية تكاملية لكافة الجهات المعنية بالعملية المرورية من رسمية واهلية ... وما جهاز الامن العام الى جزء هام من هذه الجهات المعنية .
لقد انتقدت جهاز الامن العام في عدة محاور امنية في مقالات سابقة لي عندما يكون هنالك خللا امنيا ويصبح محلا للنقد السلبي ... ولكن عندما يكون هنالك انجازا لجهاز الامن العام ... فلا بد من الاشادة به ... وابرازه والثناء عليه... وما يقوم به الامن العام من جهود مرورية جبارة لمحاربة آفات الحوادث المرورية ومسبباتها ... يدفعنا الى ان نرفع القبعة له ولانجازاته ... ونقف احتراما لمديرية الامن العام على هذه الجهود الخارقة ... في وقت مازلت بعض الجهات الاخرى المعنية بالعملية المرورية غائبة وتغط في سبات عميق... قد يفوق سبات أهل الكهف وللحديث بقية.
العقيد الدكتور بشير الدعجة الناطق الاعلامي السابق للأمن العام