أمسك صاحب الصحيفة مقالةَ الكاتب المتحمس الشاب وأخذ يقلّبها وكأنه يقلّب جمرة بين يديه. كان يضع نظارة ويحط أخرى وهو يرمق الكاتب بنظرات متوجسة.
قال صاحب الصحيفة للكاتب المتحمس الشاب: مقالتك تهاجم وتتهم بالتقصير والتخاذل والعمالة كلّ الدول العربية، الأمر الذي سيستفز كل سفاراتها في عمّان.
وأضاف صاحب الصحيفة: لو أنّك حذفت فقرة من المقالة، لمكنتني من بيعها إلى السفارة التي حذفنا الفقرة المتعلقة بها !
تستطيع الصحافة أن تمتدح وأن تشيد وأن تعلي شأن دولة أو زعيم أو شخص أو سلعة، بالإغضاء ودون أن تمتدح أو أن تشيد. وتستطيع الصحافة أن تهين وأن تذم وأن تفضح، دون أن تفصح.
لقد أغضت الأقلام الأردنية الحرة، المدججة بالحقائق والبيانات، عن سوءات ومقارفات أنظمة ومنظمات وتنظيمات وزعماء وفضائيات، تقديرا منها للظروف الإقليمية والقومية، ونأيا بأنفسها وتعففا، عن وصلات الردح والإسفاف والهبوط، الذي شانَ الرادحين ولوّثهم.
وأمّا النزق والانفلات والاضطراب والتخبط، وشراء الشر وتقصّد الخصومة والعداء، فتلك علامة كاملة من علامات انسداد الأفق وانعدام اليقين وكثافة الظلام الذي يغمر البصر والبصيرة.
خليق بنا أن نزهو وأن نعتز، بترفع قيادتنا وقياديينا وإعلامنا، عن الانسياق وراء من لا يأخذ بالاعتبار، ظروفه المفرطة في قسوتها، وموقفه المفرط في هشاشته، التي نأخذها - رغم كل ما ينفث – بعين الاعتبار.
الدستور