ميتافيزيقيا الوجود والخلود
عيسى أبو جودة
25-04-2017 07:56 AM
بينما بيت من النمل راح يخط لنفسه دربا ما بين حبل غسيل وآخر، رأيت الولد القادم يحاول في حذر شديد بأن يجتازه وذلك بتدريب قدميه الصغيرتين على القفز في الريح وكأني به يقول :
" ليس وقد ورثت عن أبي حذاءه الكبير فأنا إن لم أحسن التصرف سأكون في حينها قد ارتكبت جرما لا يغتفر، فأنا قد أحطم إحدى عشرة نملة في الخطوة الواحدة ."
وبينما هو كذلك رأيته يحث الخطى إلى البيت بيته وهو يدندن لحن أغنية زرقاء فيما راح كلما ابتعد به الطريق يتوقف برهة من الوقت ليطيل النظر فيما تبقى من خلفه وكأني به يقول :
" ليس وقد ورثت عن أبي حذاءه الكبير، يا له من سبب كاف لكي أصير رسول فأنا لم أقتل ذبابة في الطريق إلى الله ..."
بينما نفر من الرجال من أصحاب الظلال الطويلة راحوا يعدون سقوف المدينة وزهور الشرفات البعيدة وبما يليق بموكب ملكي، رأيت الولد العائد والقادم وقد راح يطأ في إصرار غريب ظلالهم الملقاة على جانبي الرصيف وكأني به يقول :
" ليس لمثل هذا تعد السقوف فيما أحدهم ممن لهم أنفي لا زال يمارس رياضة الوداع الحر عاريا عند الباحة الخلفية للمدينة، فأنا إن لم أحسن الكلام سأكون في حينها قد ارتكبت خطيئة لا تغتفر ففي حضرة الملوك قد تخونني الحقيقة ."
وبينما هو كذلك حتى رأيته يشحذ الخطى إلى البيت بيته خلف السارية القديمة وهو يتمتم لحن جملة سعيدة، فيما راح كلما نأى به الطريق يتوقف ويطيل النظر في المتبقي من عمر الليل من خلفه وكأني به يقول "
" إن حاجتنا إلى الفلسفة لا تتعدى حاجتنا إلى ما بات يفسرنا، فلا زالت تصغر قيمة الميتافيزيقا كلما كبرت حاجتنا إلى مفتاح علبة السردين ..."
لا أعرف بيد أني لا زلت أتساءل، " ما الذي قد يدعو رجل اعتاد مراقبة الثلج من خلف بدلة أنيقة إلى قطع كل هذه المسافة ليتفقد البعض الهامشي من سقوف الصفيح الواطئة خلف جدار الحياة الرديئة! ( توني بلير ) جندي بريطاني يجيد جيدا تناول الخبز المحلى بالشوكة والسكين، فيما راح يحيط به البعض القليل ممن يجيدون اللغة الجديدة والبعض المستساغ من سيدات رفيعات المقال بفساتين قصيرة. لا أعرف بيد أني لا زلت أتساءل، " يا إلهي ما هذه الرؤية المجنونة والجرأة الوليدة في كشف المستور من مسوغات الوجود والحدود المتخفية في هيئة الرجل صاحب الظل القصير!
كنت حينها لم أتجاوز بعد الحادية عشرة من عمر المنفى منفاي، وفيما راح أقراني يجمعون الحجارة ليرموه بها، في ذلك الوقت كان ثمة ما يدفعني أكثر لأن أقول ما لا أستطيع لأني أدركت قبل الكثيرين ممن تخلوا عن صناعة الشباك بأن ثمة بحر ما خلف حذاء أبي المخروق. في ذلك الوقت كنت قد اتخذت قرارا مبكرا بمحاولة تجنب هذا الصخب المادي برفع كلفة الإشارة قائلا :
" في المخيم ثمة متسع لكي تحظى بصداقة كلب يعرف أقصر الطرق إلى صقلية ..."
إنه هو لا أحد سواه، ذات الولد صاحب القميص الممزق عند الأكمام. نعم، إنه هو لا أحد سواه يعد الساقط من قطع الغمام صوب ما بات يفسرني ويحررني ( لغتي )، فما فتأ يقف على رؤوس أصابعه في ما تبقى من وقت قليل ويهجس،
" في المخيم ثمة متسع لكي تحظى بصداقة رب لم يعبأ بعد بسلام النص مع المستحيل .... "